الجمهورية: توتُّر في صيدا وعلى الحدود

كتبت “الجمهورية ” تقول: خطفت المواجهة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي في منطقة رأس الناقورة الحدودية كلّ الأنظار عن الملفّات السياسية، الحكومية والرئاسية، خصوصاً أنّ وقائع الاشتباك أسفرت عن مقتل رقيب إسرائيلي، ما استدعى استنفاراً على الجانبين ودخولاً سريعاً لـ”اليونيفل” على خطّ التهدئة والمعالجات. وفي الوقت الذي أعاد فيه هذا التطوّر الأنظار إلى الجبهة مع إسرائيل، بينما كانت مشدودة إلى التطوّرات السورية، بات من المتوقّع أن يطغى هذا الملفّ في الأيام القليلة المقبلة على ما عداه من ملفّات، ويستأثر بمعظم النقاش السياسي. ولم يقتصر التطوّر الأمني حدوديّاً، إنّما تعرّض الجيش لهجومين متتاليين: الأوّل عبر رمي قنبلة باتّجاهه في شمال صيدا، والثاني، والأخطر، تمثّل بتفجير انتحاريّ نفسَه أمام حاجز للجيش في محلّة مجدليون-صيدا.

وليلاً توتَّر الوضع على الحدود الجنوبية، بعدما أطلق الجيش اللبناني النار على قوة إسرائيلية تجاوزت نقطة حدودية قرب معبر الناقورة، فقتل رقيباً إسرائيليّاً. وأفادت المعلومات أنّ الجندي نُقل الى مستشفى نهاريا، الأقرب الى الحدود اللبنانية في حال حرجة، وأُعلن عن وفاته خلال مؤتمر صحافيّ عُقد في المستشفى.
وفي وقت أُعلن عن فقدان جنديّ في الجيش اللبناني، رجَّحت المعلومات ان يكون الجيش الاسرائيلي قد أسرَه، إلّا أنّ إسرائيل أبلغت قيادة الجيش أنّها لم تخطفه.
وعلى الأثر، استنفر الجيشان اللبناني والإسرائيلي في مقابل اللبّونة، مع تحليق طائرة استطلاع من نوع “ام. ك” على علوّ منخفض فوق منطقة رأس الناقورة. وألقى الجيش الإسرائيلي قنابل مضيئة لاستكشاف المنطقة، وكثَّف دوريّاته على طول الحدود الشمالية، ومشّط المنطقة والمستوطنات القريبة منها، فتدخّلت “اليونيفيل” لتهدئة الوضع. وأعلن الناطق الرسمي باسمها اندريا تننتي، أنّ القوات الدولية “تبلّغت عن حادثة خطرة على طول الخط الأزرق في محيط عام رأس الناقورة”. وقال: “نحاول تحديد وقائع ما حدث، ولا تزال الحالة مستمرّة”، مشيراً إلى أنّ “القائد العام لليونيفيل الجنرال باولو سييرا إتصل بنظيريه من الجيشين اللبناني والإسرائيلي، وحثّهما على ضبط النفس”. وأوضح أنّ، “وفق المعلومات المعطاة لنا، فإنّ الحادثة وقعت على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق، وأنّ الأطراف يتجاوبون مع اليونيفيل”.

من جهته، أعلن المتحدّث باسم الجيش الاسرائيلي “أنّنا مستعدّون لاتخاذ أيّ خطوة، ونحتفظ لأنفسنا بحقّ الردّ في المكان والوقت المناسبين”. وقال إنّ الجيش الاسرائيلي احتجّ على هذا “الانتهاك الفاضح لسيادة اسرائيل” لدى “اليونيفيل”، لافتاً إلى أنّه “لن يرضى بأيّ مَسّ بمواطنين إسرائيليين” موضحاً أنّ “الحادث وقع قرب نقطة روش هانيكرا الملاصقة للحدود مع لبنان” وأنّه فتح تحقيقاً في الحادث”.
وعلمت “الجمهورية” أنّ “اليونيفيل” دعت ضبّاط الجيش اللبناني والإسرائيلي الى اجتماع مشترك يُعقد في العاشرة من قبل ظهر اليوم في مقرّ قيادة القوات الدولية في الجنوب.
وعلمت “الجمهورية” أيضاً أنّ قيادة الجيش لم تصدر بياناً، في انتظاراستكمال التحقيقات التي تجريها بالتعاون والتنسيق مع قيادة اليونيفيل.

مصدر أمنيّ
ونفى مصدر امنيّ لبنانيّ لـ”فرانس برس” ان يكون الجيش قد أطلق النار، مشيراً الى “سماع إطلاق نار في منطقة رأس الناقورة، والجيش يعمل على تحديد طبيعة ما جرى”.
وأعلنت مصادر أمنية لبنانية، أنّ حزب الله أعلن الإستنفار في صفوف مقاتليه.
وأفيد ليلاً عن تعرّض مركز الامن العام في معبر رأس الناقورة لاطلاق نار من الجانب الاسرائيلي.

ميقاتي
واطّلع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من قيادة الجيش، على ملابسات الحادث الذي وقع في منطقة رأس الناقورة الحدودية، وأجرى اتّصالاً بممثّل الأمين العام للأمم المتحدة ديريرك بلامبلي، واطّلع منه على المعطيات المتوافرة عن الحادث، داعياً إلى استكمال التحقيقات لمعرفة ملابسات ما جرى.

صيدا
وفي صيدا، ألقى مسلَّح مجهول قنبلة يدوية على حاجز الجيش اللبناني عند جسر الأوّلي، فأصيب جنديّان بجروح، هما حسن مصباح شومان وربيع محمد معروف. وقد ردَّت العناصر بإطلاق النار عليه، فأردته. وتزامُناً، أوقف الجيش سيارة “إنفوي” على حاجزه عند مفترق بقسطا – مجدليون، الذي يبعد نحو 3 كيلومترات عن حاجز الأوّلي، لتفتيشها، فنزل أحد ركّابها وفجّر نفسه، فأطلق العناصر النار على السيارة وأردوا مسلّحَين آخرين، فيما سقط للجيش شهيد، يدعى سامر رزق، من دون معرفة هويّة الانتحاريّين الأربعة، وتعمل القوى الأمنية المختصّة على التأكّد من هويته.

وعلى الأثر، أغلق الجيش الطريق في اتجاه بيروت وعند مداخل صيدا الشمالية، واستقدم تعزيزات إلى المنطقة، وأقام حواجز ثابتة ومتحرّكة مدقّقاً في هويات المارّة، ونفّذ كذلك انتشاراً كثيفاً في معظم شوارع صيدا بحثاً عن مطلوبين وعن إمكان وجود جماعات أخرى تسعى لتفجير نفسها في مواقع للجيش. من جهتها، اتّخذت الفصائل الفلسطينية قراراً بمنع دخول أيّ مشتبه به الى عين الحلوة، في مقابل استنفار الجيش في محيط المخيّم. وصدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه، البيان الآتي: عند الساعة 21.15 من مساء أمس، أقدم رجل مسلّح على تجاوز حاجز الأوّلي التابع للجيش اللبناني – شمال صيدا ورمى قنبلة يدوية باتّجاهه، ما أسفر عن إصابة عسكريّين اثنين بجروح. وقد ردّ عناصر الحاجز بالنّار على الشخص المذكور، ما أدّى إلى مقتله. وعند الساعة 22,00، ولدى وصول سيارة رباعية الدفع نوع (Envoy) تقلّ ثلاثة مسلّحين إلى حاجز الجيش في محلّة مجدليون- صيدا، ترجّل أحدهم وأقدم على تفجير نفسه بواسطة رمّانة يدوية، ما أسفر عن مقتله واستشهاد أحد العسكريّين وجرح آخر، وقد قام عناصر الحاجز بإطلاق النار على المسلّحين الآخرين وقتلِهما.

سليمان في باريس
وأمس توجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى العاصمة الفرنسية، في زيارة خاصّة تمتدّ لـ 24 أو 36 ساعة، لمراجعة طبيبه الخاص الذي أجرى له عملية جراحية في جفن عينه في الولايات المتحدة الأميركية في بداية الخريف.
وأكّدت مصادر بعبدا ما أشارت إليه “الجمهورية” سابقاً بأنّ سليمان لن يلتقي أيّاً من المسؤولين الفرنسيّين، و”أنّه لو كانت هناك مثل هذه المواعيد لأعلِنت على الملأ، فتحرّكات رئيس الجمهورية ملكُ الرأي العام اللبناني، وهي لم تكن يوماً ولن تكون سرّية، وهو أمر لم يسبق أن قام به”.
وقالت المصادر لـ”الجمهورية”: إنّ الحديث عن ارتباط الزيارة باللقاءات التي سيجريها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في السعودية في 29 و30 كانون الثاني الجاري محض صدفة لا أكثر ولا أقلّ.

ما الذي دار بين سليمان وجنبلاط؟
وكان سليمان التقى ليل السبت – الأحد في جناحه العائلي الخاص في القصر الجمهوري رئيسَ جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، يرافقه وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور. وتناول اللقاء، حسب المعلومات الرسمية، التطوّرات السياسية والأمنية والحكومية الراهنة، والأوضاع في المنطقة وخصوصاً في سوريا، إضافة إلى ملفّ اللاجئين السوريّين إلى لبنان.
وقالت مصادر المجتمعين لـ”الجمهورية” إنّ سليمان شرَح الظروف التي تدفعه الى البحث بجدّية في خطوة ما تتّصل بتشكيل حكومة جديدة بالتنسيق والتفاهم مع الرئيس المكلّف تمّام سلام قبل أن يتحوّل مجلس النواب الى هيئة ناخبة في 25 آذار المقبل، وأنّه لن يبقى مكتوفاً أمام ما يدبَّر من توسيع رقعة الفراغ باتّجاه الموقع الرئاسي بعد الشلل الحكومي والنيابي القائم حاليّاً ومنذ تسعة أشهر.
وقالت المصادر إنّ الرئيس سليمان لفتَ جنبلاط الى مخاطر تمدّد الفراغ الى المواقع الرسمية وإنّه تفاهم والرئيس نجيب ميقاتي على وقف البحث في جلسة خاصة لمجلس الوزراء لئلّا تسجّل سابقة، خصوصاً أنّ ما هو مطروح لا يَشي سوى بمشاريع خارجة عن نطاق تصريف الأعمال، تُرتّب على الدولة اللبنانية التزامات مادية كبيرة لا يمكن القبول بها بوجود سلطة منقوصة الصلاحية، كما هو حال مجلس الوزراء اليوم.

وعُلم أنّ جنبلاط كان صريحاً في رفضه مشروع حكومة “أمر واقع”، كما يسمّيها “حزب الله”، ويحذّر منها. “فالحزب الذي تورّط بعيداً في سوريا لا يمكنه ان يتحمّل أيّ صفعة داخليّة، وقد تكون ردّات فعله في ضوء “التضحيات” التي يقدّمها هناك غير محسوبة النتائج على الساحة اللبنانية، وخصوصاً أنّه قد يتحوّل بين نارين، واحدة في الداخل السوري وأخرى في لبنان، عدا ما يمكن أن تؤدّي إليه التفاهمات الإيرانية – الغربية التي لا تستسيغ الدور الذي تقوم به إيران في لبنان وسوريا، وكذلك بالنسبة الى حزب الله”.
ولفت جنبلاط الى أنّ “الوضع لا يتحمّل التحدّيات المتبادلة بين السُنّة والشيعة، فنتحوّل جميعنا الى فرق عملة” مشدّداً على أهمّية التنسيق مع الرئيس نبيه برّي على الأقلّ في هذه المرحلة.
وردّ سليمان أنّه لا توجد في لبنان حكومة أمر واقع، فهناك دستور أناط المهمة بالرئيس المكلّف الذي حاز على أكثرية لم ينلها أحد من قبل في تكليفه تشكيلَ حكومة، وإن كان قد تريّث إلى اليوم، فإنّ للصبر حدوداً، وإنّ التعاطي معه بهذا الشكل ليس لمصلحة لبنان واللبنانيين. فالمنطقة تغلي، ونحن نتلهّى وننتظر أن يربح هذا الطرف أو ذاك، فاللعبة في سوريا كبيرة وخطيرة ولا يتحمّلها اللبنانيون، وعلينا جميعنا أن نتحمّل كامل المسؤوليات الملقاة على عاتقنا كلٌّ من موقعه، لافتاً إلى أنّه على تواصل مع برّي وسلام وميقاتي الذي ينتظر بفارغ الصبر تسليم مقاليد الحكم لحكومة جديدة، مستغرباً تهديدات البعض و”كأنّ البلد فالت وكِل مين إيدو إلو”.
وكشف جنبلاط في اللقاء أنّه يعدّ لمبادرة سيطلقها في الأيام المقبلة، وسيزور برّي وسلام أو يكلّف من يقوم بإطلاعه على بعض المقترحات التي يمكن ان تشكّل مخرجاً للأزمة الحكومية، ولو كان الرئيس برّي متمسّكاً بمشروع حكومة الـ (9+ 9 + 6 ) فإنّ البحث في هذه الصيغة قد يتحوّل مقبولاً إذا ما تمّ التفاهم على الخطوات التي تلي ذلك.
وردّ رئيس الجمهورية مباركاً أيّ تحرُّك يقود الى تفاهم على أيّ صيغة قبل ان يضطرّ الى اتّخاذ الخطوات التي يمليها عليه الدستور قبل نهاية الولاية.

برّي لـ”الجمهورية”
إلى ذلك، توقّف الرئيس برّي عند الوضع الراهن وما يشهده من تطوّرات، فقال لـ”الجمهورية”: “إنّ التاريخ يعيد نفسه، فالوضع الذي نشهده اليوم شبيه بالوضع الذي عشناه من 2007 إلى 2008، مع بعض الفوارق البسيطة التي سبقت انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2008”.
وسُئل برّي، هل بَعث رئيس الجمهورية إليه وإلى قيادات ومرجعيّات أخرى برسالة يطلب فيها تمديد ولايته أو تجديدها، حسب ما ذكر بعض وسائل الإعلام؟، فأجاب: “أنا من جهتي لم يصِلني أيّ شيء من فخامة الرئيس في هذا الموضوع، وكذلك لم يفاتحني احد في هذا الشأن، وإذا فاتحني أحدهم فسأقول له “الحكي بعد 25 آذار”.
واستغرب برّي ما نسبه اليه بعض وسائل الإعلام من أنّه يشنّ هجوماً على رئيس الجمهورية، فقال: “العلاقة مع فخامة الرئيس طبيعية، وليس هناك من خلاف بيني وبينه، وقد اتّصلت به قبيل سفره الى باريس للاطمئنان الى صحّته، وقلت له “عمبقولو دابكينها أنا وايّاك”.
وردّاً على قول البعض إنّ الرئيس سعد الحريري سيعود الى لبنان قريباً، قال برّي أنّه يحبّذ هذه العودة للحريري وأن ليس من مشكلة أن يكون الجميع في البلد.
على أنّ برّي يميّز بين مواقف رئيس كتلة “المستقبل” فؤاد السنيورة وبين مواقف آخرين في “تيّار المستقبل” وحلفائه.
وعلمت “الجمهورية” أن لا لقاء قريباً بين برّي والسنيورة في إطار اللقاءات التي تعقد بينهما من حين الى آخر.

موقف “القوات”
من جهة أخرى، أوضح نائب “القوات اللبنانية ” فادي كرم لـ”الجمهورية” أنّ “التمديد غير وارد إطلاقاً عند “القوات” التي تسعى جاهدةً لتأمين النصاب لانتخاب رئيس جمهورية قويّ وفق الآليّات الدستورية، تجنُّباً للفراغ الذي يضرب موقع الرئاسة”. وأكّد أنّ “كلّ حديث عن سعي “القوات” للتمديد غير صحيح، لأنّ مثل هذا الكلام يروّجه الفريق الآخر الذي ليس لديه رؤية للتعامل مع الانتخابات الرئاسية”.
وشدّد كرم على أنّ “القوات” تشارك في الاجتماعات المسيحية الجدّية في بكركي لتوفير كلّ الظروف الملائمة للانتخابات، وهي تعمل ما بوسعها لتسهيل هذا الموضوع”.

موقف “التيار”
أمّا تكتّل “التغيير والإصلاح” الذي رفض أمس الأوّل مقايضة التمديد الرئاسي مقابل حكومة وفق صيغة الـ 9+9+6، فأعلن أمس بلسان النائب سيمون أبي رميا رفضه التمديد لأنّه يناقض الدستور، وأكّد لـ”الجمهورية” أنّ هذا الموقف أجمعت عليه الأحزاب المسيحية، وعبّر عنه البطريرك الماروني بموقف واضح رافض لأيّ تمديد”، لافتاً إلى أنّ “البحث يتركّز على مواصفات الرئيس كي لا نكرّر تجربة الرئيس الضعيف، لأنّ رئيسَي الحكومة ومجلس النوّاب هما الأقوى في طائفتيهما”. وأوضح أنّ “المسيحيّين يتشاورون في سُبل إنجاح هذا الإستحقاق، لكنّ المشاورات ما زالت في بداياتها”.

موقف “المستقبل”
من جهته، أكّد عضو كتلة المستقبل النائب أمين وهبي لـ”الجمهورية”: أنّ تيار “المستقبل” مع احترام الاستحقاقات الانتخابية والدستورية، “وحتما نحن نقوّم تقويماً عالياً مواقف فخامة الرئيس، لكنّه أعلن بما لا يدع مجالاً للشك، سواءٌ عبر مواقفه المعلنة أو من خلال مواقفه السياسية، أنّه لا يخطب ودّ أحد من أجل التمديد له، وبالتالي تيار “مستقبل” مع انتخابات رئاسية في موعدها، لإعادة الثقة إلى اللبنانيين بوجود قوى حريصة على الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها. ونتقاطع في موقفنا هذا مع كلّ حلفائنا في 14 آذار، إذ أكّد الجميع بأنّه ضد التمديد ومع احترام الاستحقاقات الدستورية”.

السابق
اللواء: ليل الجنوب: الجيش يتصدّى في الناقورة والأولي ومجدليون
التالي
البناء: اجتماع بين تركي الفيصل ومسؤولين إسرائيليين