السوريون بين سلاح أعمى وآخر مأجور

سوريا

تجاوزت قضية السوريين والسلاح حدود الواقع الى الخيال، وباتت بحاجة الى وقفة للتفكير واستخلاص نتائج من اجل فتح بوابات للخروج منها، بعد كل ماحدث من قتل وتهجير وتدمير، مازالت مجرياته تتواصل، وقد تتصاعد وتتسع لتتجاوز الواقع السوري الى خارجه، وتترك تأثيرات وتهديدات على المحيطين الاقليمي والدولي، اخذت بعض ملامحهما تتوضح، مما يجعل مهمة معالجة قضية السلاح، مهمة عاجلة ليس للسوريين وحدهم، انما لكل من يتصل بهذه القضية من القوى الاقليمية والدولية، سواء كان تدخلها معلناً او مستتراً في القضية، وخاصة في ظل تطورات الصراع الاخيرة

وتشهد سوريا انتشاراً هائلا للسلاح يترك استخدامه خراباً يتجاوز القتل والدمار الى الابعد منه، وأكثرالسلاح في ايدي النظام وحلفائه وبعضه عند ادوات تخدم النظام، واقله في ايدي مدافعين عن النفس والشعب، لاتمنعهم الفوضى والخراب المحيط من الوقوع في اخطاء، وتحمل خطايا حمل السلاح. واساس السلاح في سوريا، يمثله ذلك الكم الهائل من اسلحة راكمها النظام طوال عقود طويلة ومتواصلة، والغاية من هذا السلاح كما كان معلناً، انه سلاح للدفاع عن سوريا وحماية السوريين من العدوان، بل ورد الاعداء الظاهرين والمحتملين. وفي سياق تلك المهمة، التي لم ينفرد في اعلانها النظام الحاكم في سوريا، تم تأسيس الاسلحة السورية الرئيسية من الاسلحة البرية والجوية والبحرية، وان كان التركيز الاساسي في الاولى على اسلحة المشاة والمدرعات والمدفعية والصواريخ، والتركيز في الثانية على سلاح الطيران بمافيه من مقاتلات وقاذفات وحوامات، اضافة الى اسلحة الدفاع الجوي، فقد كان الاهتمام اقل بالقوى البحرية، التي كانت الحلقة الاقل حضورا في الاسلحة السورية، وقد اضيف الى الاسلحة السورية، التي بناها النظام في بداية الثمانينات السلاح الكيماوي باعتباره الجزء الاهم في استراتيجية الرد العسكري السوري.

لقد بنى النظام في العقود الخمسة الماضية منظومة اسلحة متنوعة، كان في عدادها آلاف المدرعات، وعشرات آلاف المدافع، ومنظومة مدافع سكود وغراد، وفي سلاح الجو مئات الطائرات الى جانب اسلحة بحرية محدودة، وقد اضيف السلاح الكيماوي الى قوة الاسلحة الموضوعة تحت يد النظام، بحيث تشكلت ترسانة عسكرية سورية مدعومة باجهزة امنية تحمي النظام وفيها خمسة من الاجهزة ابرزها الامن العسكري وامن القوى الجوية والمخابرات العامة والامن السياسي، وفي كل واحد من تلك الاجهزة عشرات آلاف الاشخاص، لاشك انها لعبت دوراً في تقييد الصراع في سوريا وعليها طوال العقود الأخيرة حذراً من استخدامها وتأثيراته في المستوى الاقليمي.

وبدل ان تخوض القوة العسكرية السورية المدعومة بألاجهزة الامنية معارك الدفاع عن البلاد والعباد تحت حجة رغبتها في اختيار وقت ومكان الرد على الاعتداءات، الامر الذي لم يفسر ابداً إلا برغبتها عدم الرد على الاعتداءات عليها وخاصة من جانب الاسرائيليين، بينما دخلت بوابة الرد المباشر على التظاهرات السلمية، التي اطلقها السوريون ضد النظام وسياساته بعد انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، وقد تصاعد استخدام اسلحة النظام تباعاً من الاسلحة الخفيفة الى الاسلحة المدرعة والمدفعية والصواريخ الى وسلاح الجو وصولاً الى استخدام السلاح الكيماوي كما حدث في مجزرة غوطة دمشق في اب عام 2013.

لقد حول النظام سلاحه الى قوة عمياء في مواجهة السوريين، خاصة بعد ان دفع الى التسلح وعسكرة الثورة، وتسبب استخدام سلاح النظام الى قتل وجرح ما يقدر بنحو نصف مليون سوري، وتم تهجير أكثر من عشرة ملايين نسمة من بيوتهم واماكن سكنهم، توزعوا مابين مهجرين في الداخل ولاجئين في دول الجوار والابعد منها، وجرى تدمير مدن وقرى بصورة كاملة او جزئية، وشمل التدمير أكثر من مليوني منزل ومحل تجاري وحرفي ومؤسسة انتاجية وخدمية، واصاب الدمار اجزاء كبيرة من البنى التحتية من شبكات المواصلات والاتصالات والكهرباء والماء والطرق العامة، وكله انعكس دماراَ عاماً على الاقتصاد والمجتمع في سوريا.
ورغم ان دمار السلاح الذي يملكه نظام القتل والتدمير والتهجير، لم يوقف اجرامه الاعمى، فان سوريا والسوريين صاروا في عداد ضحايا سلاح همجي ومدمر اخر، سلاح نشأ على هوامش الثورة ، قبل ان يتحول معظمه الى قوة في مواجهة الثورة وتشكيلاتها المسلحة، بل ان احد ابرز اهدافها هو تدمير تلك التشكيلات واخراجها من مواجهة النظام والسيطرة على المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، واشاعة القتل والدمار والفوضى فيها، وهو سلوك مكمل لسلوك النظام بما يؤشر الى ان ذلك السلاح سلاح مأجور ليس الا، سواء كان مأجور عن قصد او بالنتيجة.

ويتألف معظم هذا السلاح من سلاح خفيف وبعض المتوسط، جاء اغلبه من تدفقات خارجية عبر دول الجوار، التي وضع بعضها بصماته السياسية على استخدام هذا السلاح كما هو حال السلاح الوارد من العراق لصالح جماعات التطرف، وجزء من السلاح تم الاستيلاء عليه من مخازن النظام ووحداته، واغلب حملة السلاح المأجور من متطرفي دولة العراق والشام “داعش” وجبهة النصرة في بلاد الشام، والاثنتين معلنتين من تنظيمات القاعدة، ولايستثنى من حملة السلاح المأجور، تلك الجماعات المتعاطفة مع الاثنتين، وقد تكرس سلوكهما واضحاً في ممارساتهما في التطورات العسكرية الاخيرة في معارك القلمون والغوطة، حيث انسحب بعضهم من معارك الجيش الحر مع قوات النظام ومليشيات حزب الله مما ادى الى غلبة قوات النظام، وعلى النحو ذاته جاءت هجماتهم على مراكز هيئة اركان الجيش الحر والاستيلاء على مستودعاتها بما فيها من اسلحة وذخائر وتجهيزات في محاولة لانهاء القيمة الرمزية للجيش الحر، وان كان ذلك لايرفع مسؤولية الاركان عن هذه التطورات واثرها السلبي على الصراع المسلح مع النظام.

وتنتمي الى هذا الفريق من حملة السلاح المأجور ايضاً، قوات الحماية الشعبية التابعة للاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يتزعمه صالح مسلم، والتي لاتغطي سياسات النظام، وتعطيه مظلة حماية في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد فقط، وانما تسعى في الوقت ذاته لاشاعة الفوضى والدمار من جهة ولتكريس وجود كيان كردي هناك، يعزل الاكراد السوريين عن امتدادهم السوري ويخلق مشكلة معه، وتعزل الاكراد السوريين عن ثورة شعبهم من اجل نظام ديمقراطي بديل، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين بمن فيهم الاكراد.
لقد حول سلاح النظام الاعمى، والسلاح المأجور لتنظيمات التطرف الديني والقومي، الشعب السوري الى هدف لهما، وبالنتيجة قتل وتدمير وتهجير، وكله في سياق حصار ثورة السوريين والعمل للقضاء عليها ومنع السوريين من تحقيق اهداف الثورة في الحرية والكرامة واقامة نظام بديل لنظام الاسد.

السابق
المواجهة الكبرى المقبلة بين السعودية وإيران
التالي
الربيع العربي في فخ الهوية