طموحات للريادة في الفضاء؟

أثار إعلان الصين توسيع «منطقة تحديد هوية الدفاع الجوي» فوق بحر الصين الشرقي في الثالث والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) حالة من الذعر في المنطقة. وتطالب شروط ذلك الإجراء الطائرات بالكشف عن هويتها وأن تبقى على اتصال بالسلطات الصينية عند دخولها المجال الجوي الصيني. ويجب على الطائرة أن ترسل إفادة إلى السلطات الصينية عن خططها وتتبع التعليمات التي تصدر لها، وإذا لم تلتزم بتلك الشروط، تقوم السلطات الصينية بإرسال تحذير ويمكنها «اتخاذ إجراءات دفاعية طارئة».

وقد فسرت اليابان تلك الخطوة على أنها محاولة من الصين لترويج ادعائها بامتلاك جزر سينكاكو أو (دياويو) كما تسميها الصين، وهي عبارة عن أرخبيل جزر صخري غير مأهول بالسكان، تديره اليابان ويقع في الجزء الجنوبي من منطقة تحديد هوية الدفاع الجوي التي أعلنتها الصين. وقد أدت الخطوة الصينية إلى نتيجة لم تكن متوقعة حيث وحدت اليابان وكوريا الجنوبية.

وقد جاء ذلك الإعلان من جانب الصين قبل أيام قليلة من زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن للمنطقة. وسيطرت الخطوة الصينية على مجمل المباحثات التي أجراها بايدن، فقد سارع نائب الرئيس الأميركي إلى طمأنة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ثم ناقش الأمر مع رئيس الصين شي جين بينغ. ولم تؤد تلك المباحثات إلى نتائج تذكر.

وقد أخبر المسؤولون الصينيون بايدن بأن موقفهم «قائم على مبدأ» ورفضوا الاتهامات بأنهم اتخذوا تلك الخطوة من دون اكتراث بحقوق الآخرين. غير أن الصين بدت في الوقت ذاته ضعيفة، ولم تفعل شيئا عندما قامت طائرتان أميركيتان من طراز B – 52 القاذفة بالتحليق داخل منطقة تحديد هوية الدفاع الجوي، وهو الإجراء الذي نسجت مثله اليابان وكوريا الجنوبية، اللتان قامتا بإرسال طائرات حربية داخل المنطقة من دون أن تعلنا عن ذلك.

باختصار، لن يجري ذكر تلك الخطوة في سجل يمثل أروع أوقات الدبلوماسية الصينية. إلا أنه يبدو أن الصين قد صنعت للعالم، بغير قصد، جميلا وخدمة كبيرة. فحتى صدور ذلك الإعلان، سمع القليل من الناس عن ما يُسمى بـ«منطقة تحديد هوية الدفاع الجوي». والقليل من الناس أيضا كانوا يعرفون أن بعض الدول قامت بفرض تلك المناطق الجوية من دون الاتفاق على أي ضوابط تحكم إنشاء مثل تلك المناطق.

وكانت الولايات المتحدة قد قامت بإنشاء أول منطقة لتحديد هوية الدفاع الجوي فوق أميركا الشمالية في عام 1950. وقامت أيضا بإنشاء منطقة أخرى فوق اليابان عندما كانت تحتلها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وورثت اليابان تلك المنطقة في عام 1969.

ومنذ أن جرى إنشاء تلك المناطق لأول مرة، تغيرت الكثير من المفاهيم العالمية. أما في الوقت الحالي، فتؤثر أي خطوة أحادية الجانب بشكل كبير على الجيران وعلى العالم بأجمعه.

حقيقة الأمر أن ذلك ربما يخدم مصالح أميركا كي تأخذ زمام المبادرة نحو صياغة القواعد المتعددة الأطراف. وكان الرئيس بيل كلينتون قد طرح في عام 2003 السؤال بحكمة على أقرانه من الأميركيين متسائلا عما إذا كان على الولايات المتحدة أن «تحاول وضع قواعد الشراكات وعادات السلوك للعالم الذي نود أن نعيش في حين أننا لم نعد قوة عسكرية وسياسية واقتصادية عظمى». لكن سواء أكان كلينتون يفكر في بزوغ قوة الصين من عدمه، هذا التحرك الأخير في بحر الصين الشرقي يشير بما لا يدع مجالا للشك، إلى طموح الصين في تبوء مركز القوة العظمى.

وردا على إعلان الصين للمنطقة الجديدة، أشارت وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن «حرية التحليق وغيرها من الاستخدامات المشروعة دوليا من البحر والمجال الجوي ضرورية لتحقيق الازدهار والاستقرار والأمن في منطقة المحيط الهادئ». هذه الاستخدامات المشروعة، التي تشمل حركة النقل الجوي التجاري محمية من قبل قانون معاهدة البحار – وهو الاتفاق الذي صدقت عليه 166 من بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 دولة. ومما يدعو للأسف أن الدولة الكبرى الوحيدة التي لم تصدق على الاتفاقية هي الولايات المتحدة. فلم يبد الكونغرس اقتناعا بعد بأن مصلحة أميركا في إنشاء قواعد متعددة الأطراف، وفضلت أن تحتفظ لنفسها بالحق في التصرف بشكل أحادي.

وقد حثت شخصيات أميركية بارزة، الصين على التصرف كـ«شريك مسؤول» في النظام العالمي. ولكن أفضل السبل أمام الولايات المتحدة لنقل مثل هذا التشجيع تأتي من خلال الأفعال، لا الكلمات.

هل نريد حقا أن نعيش في عالم تتبع فيه كل دولة نموذج أميركا والصين في الإعلان عن مطالب أحادية في المجال الجوي الدولي؟ هذا لا يبدو من الحكمة في وقت تتضاعف فيه الحركة الجوية العالمية كل 15 سنة منذ عام 1980، ويتوقع أن يتضاعف مرة أخرى على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة.

ونظرا للخطر الذي قد يشكله عدم امتثال الطائرات المدنية، نصحت إدارة الطيران الاتحادية شركات الطيران التجارية الأميركية الالتزام بقواعد الصين. وساعد هذا التنازل أيضا الصين في حفظ ماء وجهها، لكننا نتحرك نحو عالم أكثر خطورة إذا سمحنا لكل بلد باستخدام الحق في إنشاء مناطق الدفاع الجوي مع قواعد متميزة ومختلفة. فسوف يؤدي تعدد القواعد إلى ارتباك شركات الطيران المدنية والطيارين. وعوضا عن ذلك، يجب علينا إنشاء قواعد بسيطة وواضحة متعددة الأطراف ملزمة لجميع الدول.

وقال مسؤولون أميركيون يرافقهم بايدن إن وضع المنطقة الجديدة الآن «يعود إلى الصين»، لكنه العالم بحاجة إلى الولايات المتحدة كي تأخذ زمام المبادرة. والسؤال هو ما إذا كانت أميركا سوف تتخلى عن مطالبها الخاصة للعمل كي تسمح لتحرك أحادي بالقيام بذلك.

السابق
عمان.. وجهة نظر مختلفة
التالي
تطوير الجيش الأميركي يوجب تقليصه