أمّ المعارك؟

تصوير الانتخابات الرئاسية باعتبارها أمّ المعارك السياسية التي ستعيد خلط الأوراق، وتؤسّس لمرحلة جديدة، وتشكّل تحوّلاً في مجرى الحياة السياسية، يفتقد إلى الواقعية لجُملة أسباب، أهمها:

أولاً، التغيير الجذري في لبنان يرتبط بعوامل خارجية لا داخلية، وهذا لا يعني استقالة قِوى الداخل من واجبها النضالي والتعويل فقط على الخارج، إنما على العكس يفترض بها ممارسة أقصى أنواع الممانعة ومحاولة تسجيل النقاط وكسب الجولات وتهيئة المناخات للاستفادة من أيّ تطورات خارجية، إلّا أنّ هذا لا ينفي أنّ قوّة “حزب الله” العسكرية ورَبطه لبنان عضوياً بالمحور الإيراني يتطلبان تغييراً خارجياً أكثر منه داخلياً.

ثانياً، المواجهة الشرسة التي تشهدها المنطقة بين المحورين الإيراني والسعودي لا تحتمل تسجيل أحد المحورين انتصاراً رئاسياً على الآخر. لا بل إنّ محور الممانعة أكثر جهوزية لخَوض مواجهة من هذا النوع، وبالتالي هو على استعداد للقيام بأيّ شيء لمَنع “14 آذار” من الفوز رئاسياً.

ثالثاً، ميزان القوى القائم الذي يميل لمصلحة 8 آذار المحلية والإقليمية لا يشجّع على خَوض معركة “كَسر عَظم”، لأنّ نتيجتها ستكون لمصلحته بقوّة الأمر الواقع والتهديد والوعيد.

رابعاً، الفريق الذي يجب أن يخوض المعركة الرئاسية بحذر وخطوات مدروسة هو “14 آذار”، لأنّ الفريق الآخر جاهز لمنع الانتخابات والانقلاب على النتائج في أيّ لحظة.

خامساً، لو كانت “14 آذار” تنطلق من “بوانتاج” النصف زائداً واحداً لمصلحتها، لكانَ من الواجب خَوض المواجهة الرئاسية على رغم الاختلال في ميزان القوى، إذ لا بأس من جَرّ “حزب الله” إلى استخدام سلاحه مجدداً، ولكنّ الحجم النيابي لهذه القوى هو ما دون الـ60 نائباً، ومرشّح للنقصان لا للزيادة.

سادساً، أين مصلحة “14 آذار” بتهيئة المناخات الرئاسية الانتخابية التي تقود إلى إيصال مرشّح من 8 آذار؟ فكلّ الدعوات إلى إلزامية حضور الجلسة الانتخابية والتسليم بالنتيجة الانتخابية ستقود إلى فوز مرشّح ممانِع. وبالتالي، على ماذا تعوّل “14 آذار” في ظلّ وضع لا يميل إلى مصلحتها داخلياً وخارجياً؟

سابعاً، هل إنّ استحقاقاً مصيرياً إلى هذا الحد يُخاض على قاعدة أنّ “8 آذار” لن تتمكن من الاتفاق على مرشح واحد؟ ومن قال إنّ “حزب الله” سيسمح بتسمية مرشّح واحد أو يعجز عن ذلك؟

ثامناً، هل هناك مَن يعتقد أنّ النائب وليد جنبلاط الذي تخلى عن الحاضنة التاريخية للموحّدين الدروز، المتمثّلة بالسنّة في لبنان وعُمقهم العربي، عبر ترجيحه خيار “حزب الله” في الحكومة، سيعمد إلى ترجيح كفّة “14 آذار” في الرئاسة، في الوقت الذي يتبنّى وجهة نظر الحزب في التأليف؟

تاسعاً، يفترض بالفريق غير المتأكّد من فوزه أن يدفع باتجاه التوافق، لا الانتخابات، والبحث عن الشخصية التي تستطيع استكمال ما انتهى إليه الرئيس ميشال سليمان، بدلاً من الدخول في مواجهة ستقود إمّا إلى الفراغ أو إلى إيصال شخصية ممانعة إلى الرئاسة الأولى.
عاشراً، من شروط فوز “14 آذار” في الانتخابات الرئاسية انهيار إيران ومشروعها في المنطقة، الأمر الذي ما زال، مبدئياً، بعيد المنال.

لا شكّ أنّ تسليط الضوء على محورية موقع رئاسة الجمهورية هو مسألة أساسية، كما أنّ دخول المسيحيين رأس حربة في المواجهة، انسجاماً مع تاريخهم، هو قضية جوهرية. ولكن، لا يجوز تحويل المعركة الرئاسية إلى أمّ المعارك السياسية التي يجب وَضعها من ضمن استراتيجية مواجهة شاملة عَمودها الفقريّ الحفاظ على ما تحقّق والتأسيس عليه، بدلاً من العودة إلى… نقطة الصفر.

السابق
بكركي تراكم خسائرها: الــرئاسة بعد قانون الانتخاب؟
التالي
عمان.. وجهة نظر مختلفة