اتجاه جديد للنظر إلى التهديدات الخارجية

صرح رئيسا لجان الاستخبارات بمجلس الشيوخ ومجلس النواب في عطلة الأسبوع الماضي بأن العالم صار أقل آمنا بشكل كبير. وبعد هذا التصريح بأيام قليلة، ذكر مركز «بيو» للدراسات أن نسبة 52% من الأميركيين يرون أن الولايات المتحدة يجب عليها «أن تعتني بشؤونها فقط على المستوى الدولي»، حيث تعد تلك النسبة هي الأعلى من إجمالي الاستطلاعات التي أجريت على مدار ما يقرب من 50 عاما. ومن خلال وضع هذين الأمرين معا في الاعتبار، يدل هذان التصريحان على ظهور مشكلة وطنية خطيرة.

يأتي في مقدمة ذلك غياب التوافق بين التحديات التي تواجه أميركا والاستعدادات المعلنة لدعم السياسية الخارجية في التعامل مع تلك التحديات. وبكل بساطة، يمكن القول إن هناك انشقاقا في الإجماع التقليدي بشأن المشاركة العالمية في كل وقت تنشأ فيه بعض المشكلات الجديدة الكبيرة.

وفي المقابل، تتمثل الاستجابة الأميركية المعتادة لأي أحجية من هذا القبيل في تشكيل لجنة من الحزبين. ولعل النموذج الأوضح على ذلك مجموعة دراسة العراق في عام 2006، التي كان يتشارك رئاستها جيمس أديسون بيكر الثالث وزير الخارجية السابق، ولي هاملتون الممثل السابق عن الحزب الديمقراطي الأميركي وعضو الكونغرس عن ولاية إنديانا. وبالإضافة إلى هذين الرئيسين، كان هناك أعضاء بارزون منهم ساندرا داي أوكونور، قاضية المحكمة العليا السابقة، والمصرفي فيرنون جوردان، بوصفه رئيس الأعمال المتعلقة بالحقوق المدنية والمستشار للرؤساء. وبالنسبة للاستشاريين، كان هناك الأشخاص اللامعون مثل هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجنسكي وبرينت سكوكروفت، حيث كان جميع هؤلاء الأشخاص مستشارين سابقين بالأمن القومي.

ويعد جميع هؤلاء جزءا من مؤسسة السياسة الخارجية التقليدية التي ما زالت تسيطر على المناصب العليا على المستوى الثقافي، بيد أنها لا تعكس الحالة المضطربة والمحبطة بالنسبة للعامة من الأميركيين. لقد انهار الإجماع القديم ويحتاج إلى إعادة إحيائه وإنعاشه من جديد.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: ما الأمر الذي يجب أن يثير اهتمام اللجنة الموجودة في الوقت الراهن؟ وفي يوم الأحد الماضي، أدلى النائب الجمهوري مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي، وديانا فينستين، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي ورئيسة لجنة الاستخبارات بالمجلس، بتصريحات لوكالة «سي إن إن»، قائلين إن العالم ليس أكثر أمنا الآن مما كان عليه منذ سنوات قليلة مضت. وعكست تحذيرات فينستين وروجرز الظهور المجدد لتنظيم القاعدة في سوريا والعراق وليبيا والمناطق الأخرى. لم يعد هناك أي فصيل غير جدير بالاهتمام يتبع تنظيم القاعدة، فقد تلقت وزارة الخارجية تقريرا استخباراتيا مؤخرا يفيد انضمام 5500 مقاتل أجنبي للعمل مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، التابع لتنظيم القاعدة. والسؤال الآن هو: كيف يجب على الولايات المتحدة أن تحارب هذا التهديد؟ وللأسف، ليس هناك إجماع حيال هذا الأمر.

لقد غرست «القاعدة» جذورا لها في شبه جزيرة سيناء، بحسب اللواء محمد فريد التهامي، رئيس جهاز المخابرات المصرية، فكيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد مصر، الحليف الأهم في العالم العربي، لهزيمة التطرف في الوقت الذي تتحرك فيه لاستعادة الحكومة المدنية كإجراء ديمقراطي؟ لا يوجد إجماع على ذلك أيضا.

وهناك تحدي السياسة الخارجية الضخم المتمثل في البرنامج النووي الإيراني، فقد أبرم الرئيس أوباما برنامج اتفاق مؤقت جريء مع إيران. ولكن لإتمام الاتفاق، والتأكد من أن برنامج إيران النووي مصمم لأغراض سلمية حقا، يحتاج أوباما إلى دعم قوي من الكونغرس والشعب الأميركي. في الوقت الراهن، يبدو من الصعوبة تخيل إمكانية حصوله على مثل هذا الدعم. فالشعب لا يريد الحرب، ولكن لا يبدو أنهم لا يؤيدون الحوار الدبلوماسي بالقدر ذاته، أيضا.

أحد الاقتراحات المتواضعة هي أن يعقد أوباما اجتماعا لفريق أصغر من قادة أميركا، الاستراتيجيين والتقنيين والأساتذة، فإنه سيكون ممارسة للتعلم – لفهم السبيل الذي يمكن للبلاد من خلاله التعامل مع المشكلات خلال السنوات العشر المقبلة، من دون ارتكاب أخطاء السنوات العشر السابقة. ما الذي استفادته أميركا من حربها مع المتطرفين؟ ما الدروس التي تعلمناها من حروب التدخل السريع المؤلمة؟ كيف يمكن للأميركيين الشباب الذين لا يتذكرون الثورة الإيرانية عام 1979 الدخول في حوار مع ذلك البلد، ولكن أيضا وضع حدود واضحة على سلوكها عام 1979؟

لحسن الحظ، يمكن لجيل جديد من المفكرين تشكيل مجموعة من الحزبين كما أتخيل. إذا كنت لا تعرف أسماءهم بعد، يجب عليك إشراك: مارك لينش من جامعة جورج واشنطن، والمعروف لدى متابعيه على الإنترنت باسم «أبو آكل النمل»، وديفيد كيلكولن، أحد مهندسي نجاح استراتيجية مكافحة التمرد في العراق ومؤلف كتاب «بعيدا عن الجبال»، وهو كتاب جديد عن الصراعات المستقبلية في المناطق الحضرية، وميشال فلورنوي، مساعد وزير الدفاع السابق، وجاريد كوهين وأليك روس، وهما اثنان من المتخصصين في التكنولوجيا قدما استشارات لوزارة الخارجية إبان تولي هيلاري كلينتون رئاستها، ويعملان الآن لدى «غوغل» وجامعة جونز هوبكنز، على التوالي. وأضيف إلى ذلك العاملين في الإدارة سلمان أحمد، وتوني بلينكين، وبن رودس، ويندي شيرمان، وجيك سوليفان.

ما يشجعني هو أن ذات الجمهور الأميركي الذي يريد من الولايات المتحدة أن تراعي مصالحها على الصعيد الدولي، يؤيد أيضا بأغلبية الثلثين مشاركة الولايات المتحدة بشكل أكبر في الاقتصاد العالمي، وفقا لاستطلاع بيو. وكان المشاركون الشباب أكثر اهتماما بالشأن العالمي تجاه هذه المسألة من الكبار.

هذا جيل مترابط يمكن أن يعالج المشكلات بطرق جديدة – لكنه يحتاج إلى البدء.

السابق
ميقاتي لسليمان: لن أوقّع مرة ثانية ضد السعودية
التالي
تحطيم تمثال لينين هل يجلب الرفاهية؟