رثاء لرثاء مانديلا: ليس قدّيسا.. هو قالها

جنى الحسن
لم يكن قديساً. انساق في شبابه وراء النضال المسلّح. كان له لحظات ضعفه وانكساراته وخيباته. كان بشريّاً مجبولاً بالأسى والخوف وربما كان يكذب أحياناً، "من الأمور التي كانت تقلقني بشدة في السجن الصورة الخاطئة التي عكستها عن غير قصد إلى العالم الخارجي، وهي صورة القديس، لم أكن يوما قديسا، كانت لي أخطائي ولحظات ضعفي وانكساري وألمي"، قال في مذكّراته.

لم يكن قديساً. انساق في شبابه وراء النضال المسلّح. كان له كسائر الناس لحظات ضعفه وانكساراته وخيباته. لم يكن ملاكاً منزّلاً من السماء. كان بشريّاً مجبولاً بالأسى والخوف وربما كان يكذب أحياناً. وقد قالها في مذكّراته “من الأمور التي كانت تقلقني بشدة في السجن الصورة الخاطئة التي عكستها عن غير قصد إلى العالم الخارجي، وهي صورة القديس، لم أكن يوما قديسا، حتى بالمفهوم الدنيوي للقديس، كانت لي أخطائي ولحظات ضعفي وانكساري وألمي. وباختصار ،لم أكن أبدا قديسا”.

هل نلعنه الآن ونسقط عنه أيقونة البطولة؟ هل نشتمه لأنّه انفصل عن زوجته بعد خروجه من السجن؟ لم اكن أتوقّع وأنا أبدأ بقراءة مذكرات نيلسون مانديلا وحواره مع نفسه أن أجد بعض الخطب والوعظ في المحبة والتسامح، بل كنت أعرف انّني سأكون أمام تجربة حيّة. تجربة من دمّ ولحم وأخطاء. تجربة من مراجعة الذات ونقدها كاعترافه أنّه في بعض خطبه أيّام الشباب اتّسم بـ”التصنّع والعجرفة”.

لم أكن أتوقّع المثالية لأنّي أدرك تماماً استحالة توفّرها حتى في أكثر الأشخاص إخلاصاً لمبادئهم. أدرك أيضاً أنّنا كبشر أشخاص نتحوّل ونتغيّر بفعل ما نمرّ به. يبقى الجوهر والوعي هو الأساس.

ما الّذي ميّز مانديلا إذاً؟

بالنسبة إليّ، ما ميّز هذا الرجل هو محاولته للبناء ورأب الصدع ومواجهته بكل شجاعة خوفَه وحقدَه والكراهية التي تغمرنا جميعاً أحياناً، المواجهة التي تقود إلى التحرّر من كل هذه المرارة.

كان مؤمناً بأنّ الجانب النيّر للنفس البشرية يمكنه أن يتغلّب على الظلمة. قد يبدو هذا الإيمان يوتوبياً في بعض الأحيان خصوصاً إن لم يتّسم بالحسم والحزم. لم يسامح مانديلا عن عبث بل سامح بعدما أشار إلى كل الأخطاء التي ارتُكبت بحقّه وقرّر أن يتعالى عن الجراح.

لا أريد أن أقيّم تجربة الرجل وأكيل عليه بالمديح ولكن لا بد أن أشير أنّه بالنسبة إليّ مصدر إلهام. بعض ما لفتني في رثائه هو أنّ عديدين – سواء مسؤولين أو أشخاصا عاديين – تناولوا هذا الرمز الكبير من جانب مصلحتهم أيضاً أو من جانب إثبات صوابية وجهات نظرهم على حساب الرأي الآخر.

وقد يكون هذا أسوأ ما في رثاء رجل كان جوهر نضاله السماح بالتعدّد وإرساء قيم التعايش الفعلي وليس فقط الوعظ في أهميّة التآخي وما إلى ذلك. بدا لي الرجل كورقة للمزايدة ليظهر البعض نفسه، من خلال رثائه، ملاكا وقدّيسا.

لسنا قدّيسين. مانديلا أيضاً قالها: أنا لست قدّيساً. فمتى نتعلّم أن نكون بشر؟

السابق
حزب الله زاد قدراته بإطلاق الصواريخ 10 أضعاف قبل10 سنوات
التالي
إزدواجيات حزب الله: أجنحة وأهالي. . وانشقاق إعلامي!