الشرق الأوسط: حرب بيانات ومواجهات مع الجيش اللبناني تعيد إشعال جبهة طرابلس

كتبت “الشرق الأوسط ” تقول: لم تصمد الخطة الأمنية الهشة في طرابلس أكثر من ثلاثة أيام، لتعود المعارك إلى المدينة التي عاشت ليلة دامية أمس، إثر مواجهات بين أهالي باب التبانة (ذات الغالبية السنية) والجيش اللبناني، سقط خلالها جندي وستة جرحى، بينهما ضابطان. وكانت الأحداث قد بدأت إثر اعتداء شاب من باب التبانة على شخص آخر من جبل محسن، ومن ثم تعرض فريق “قناة الجديد” الذي كان يقوم بعمله داخل المنطقة للاعتداء من قبل أهالي التبانة، فتدخل الجيش لإجلائه.. الأمر الذي أدى إلى مواجهات بين الأهالي والجيش الذي أطلق القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، وبعد وقت قصير تنادى شبان المنطقة وتوجهوا إلى ثكنة الجيش القريبة حيث حصل إطلاق نار من جديد، واحترقت إحدى الشقق السكنية القريبة من المكان، إلى أن تمكن الجيش من تطويق الإشكال، وحاصر المنطقة المحيطة بالثكنة ومنع الدخول إليها.
لكن الشيخ خالد السيد، أحد الفعاليات البارزة في باب التبانة، نفى أن يكون شباب التبانة قد أطلقوا النار على الجيش، متهما “أفرادا مرتبطين ببعض الأجهزة الأمنية بالقيام بمثل هذه الأفعال”.
وعند سؤالنا عما إذا كان هؤلاء معروفين من أهالي التبانة، قال: “نعم نعرفهم، وكنا قد أبلغنا القوى الأمنية عنهم مرات عدة”، مضيفا: “إنها لعبة كبيرة، والأجهزة الأمنية لها دور، والدولة منقسمة على نفسها”.
واتهم فئة ثالثة بإطلاق النار على الجيش اللبناني، وافتعال معركة دامية، لخلط الأوراق وإقحام باب التبانة في مواجهة مع الجنود، مضيفا: “نشعر منذ مدة طويلة بأن هناك من يريد أن يزج بالجيش في مواجهة مع أهالي التبانة. ونحن نطلب من القيادة العسكرية أن تتصرف بحكمة. ونؤكد أننا ضد التعرض لعناصرها، وهو الأمر الذي لا يصب أساسا في مصلحتنا”.
وكانت الأحداث التي شهدتها طرابلس مساء الخميس قد تزامنت مع حرب بيانات وشائعات، وتجييش لم يسبق له مثيل؛ فقد صدر بيان موقع باسم الشيخ خالد السيد، نفى علمه به، يعطي مهلة محددة للجيش. وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي أخبارا كاذبة كثيرة، كانت كفيلة بأن تشعل حربا. من بين هذه الأخبار التي تبين عدم صحتها، أن الجيش يطلق النار على المتظاهرين أمام الثكنة ويوقع قتلى، وأنه يحاصر باب التبانة ويمنع الدخول إليها والخروج منها، وأن ساحة عبد الحميد كرامي أقفلت وامتلأت بالمتظاهرين، كما قيل إن مجموعات من المسلحين تتوجه من كل المناطق، منادية بالجهاد لتناصر باب التبانة.
وعقد تجمع العلماء المسلمين وبعض الفعاليات على الأثر اجتماعا صدر بعده بيان عد ما جرى في باب التبانة “تصرفا فرديا ناتجا عن أجواء الاحتقان التي أعقبت الاعتداء الأخير لعصابة جبل محسن على طلاب المدارس وعلى النساء والأطفال في الطرقات”. وطالب البيان “قيادة الجيش بتفهم الوضع النفسي والاجتماعي لأهالي الشهداء والجرحى الذين سقطوا في مسجدي التقوى والسلام”. ودعا “أهالي باب التبانة بشكل خاص وطرابلس بشكل عام إلى ضبط النفس وعدم الانجرار إلى المخطط الذي يسعى إليه من يريد الشر لهذه المدينة وأهلها، خاصة أن الاتصالات التي أجريت مع المسؤولين خلال الاجتماع أكدت أنه لا نية للجيش بالاصطدام مع أهالي المدينة”.
وكان الجيش بدوره قد أصدر بيانا أوضح فيه “أن الإجراءات التي يتخذها الجيش في طرابلس وضواحيها تهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى المدينة، وبناء على التكليف الرسمي للجيش بضبط الأمن، واستجابة لمطلب المواطنين الطرابلسيين الذين عانوا كثيرا من حال الفوضى وعدم الاستقرار”.
وشرح البيان: “إن هذه الإجراءات لا تصب في مصلحة المخلين بالأمن والذين يستفيدون من حال الفوضى، ولذلك هم يسعون إلى التعبير دوما عن رفضها خلافا لإرادة الأغلبية العظمى من أهالي طرابلس”، مشيرا إلى أن قيادة الجيش تؤكد الاستمرار في حرصها على الاستجابة لما يريده عموم أهالي المدينة في الأمن، “وانطلاقا من واجبها الوطني، تدعو الجميع إلى التجاوب مع إجراءات الجيش”.
وجاءت ردود الفعل أمس على ما حصل مساء الخميس، مؤازرة للجيش؛ فقد حذر رئيس جبهة “النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط من “ترك الجيش وحيدا في طرابلس دون توفير التغطية السياسية الكاملة من الفاعليات الطرابلسية أولا واللبنانية ثانيا ليتمكن من القيام بواجباته كاملة ويعيد الأمن والاستقرار للمدينة”.
وأكد أن “الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار لم يعد يجدي مع استمرار النزف اليومي في المدينة وسقوط الشهداء من المدنيين الأبرياء ومن أبناء المؤسسة العسكرية، لذلك المطلوب تجفيف مصادر التمويل لجميع المجموعات المسلحة والتعاون بين الأجهزة الأمنية والقضائية لكشف كل المتورطين في هذه الأحداث وإلقاء القبض عليهم للحيلولة دون استفراد الجيش في هذه المواجهة الاستنزافية”. ورأى أن “المؤسسة العسكرية تثبت أنها لجميع اللبنانيين دون تفرقة أو تمييز”.
ورأى مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا أنه “من الخطأ أن نفرط بالجيش وبآخر مؤسسة تسهر على أمننا؛ لأن الجيش صمام أمان الوطن”. ورحبت لجنة المتابعة لحقوق أصحاب المحال الصناعية والتجارية والحرفية في التبانة “بالدور الكبير الذي يقوم به الجيش بالتعاون مع كل الأجهزة الأمنية لوقف التدهور الأمني الخطير وعودة الحياة إلى طبيعتها في التبانة وجوارها”.
كما نظمت هيئات من المجتمع المدني وقفة تضامنية في وسط بيروت، بعد ظهر أمس، دعما للسلم الأهلي في لبنان وخصوصا في طرابلس.

السابق
الحياة: ميقاتي رحب بالسعودية في معرض الكتاب
التالي
تعلموا من دروس الماضي وتحركوا سريعا بشأن سوريا