الجمهورية: مواقف مرتقبة لسليمان اليوم وميقاتي تعهَّد بالتمويل

كتبت “الجمهورية ” تقول: إنشغل اللبنانيون بمتابعة خبر رحيل المناضل الكبير من أجل السلام والعدالة والمساواة الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا الذي أعاد تجديد الأمل في نفوس اللبنانيين، حتى بعد غيابه، بإمكان إعادة الحياة والاستقرار والسلام إلى ربوع لبنان على رغم أوضاع البلد المأسوية على المستويين الأمني والسياسي، وذلك في ظلّ الفراغ المتمادي والشلل المؤسّساتي والانقسام العمودي والتراشق السياسي وجولات العنف في طرابلس والتفجيرات والاغتيالات التي دلّت على انكشاف أمنيّ مريع. وفي موازاة الوضع المحلّي واصلت الولايات المتحدة الأميركية طمأنة حلفائها في الخليج حول الاتّفاق النووي مع إيران عبر زيارة وزير دفاعها تشاك هاغل إلى البحرين، وتسعى إلى إحداث خرق جدّي في مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين عبر وزير خارجيتها جون كيري الذي أعلن أنّ الإسرائيليّين والفلسطينيّين أقرب ما يكون إلى السلام “منذ سنوات”. وعلى خطّ الأزمة السورية تصدّرت قضية خطف راهبات معلولا واجهة الاهتمامات، خصوصاً بعد ظهورهنّ مساء أمس في شريط مُسجّل أكّدن فيه على سلامتهنّ، وأوضحت إحداهنّ أنّه “سيُفرج عنهنّ بعد يومين”.
يترنّح لبنان تحت جموده السياسي وواقعه الأمني المهزوز في ظلّ ارتفاع منسوب التخوّف من جولات جديدة من العنف في الشمال.
نجحت التدابير الأمنية والإتصالات السياسية التي حفلت بها الساعات الماضية في تجاوز طرابلس القطوع الأمني، واستعادت المدينة هدوءها الحذر بعد سخونة شهدتها ليل أمس الأوّل.
وفيما واصل الجيش إجراءاته الامنية، أكّدت مصادر عسكريّة رفيعة لـ”الجمهورية” أنّ الجيش ماضٍ في تنفيذ الخطة الأمنية الموضوعة بحذافيرها لإعادة الأمن والاستقرار الى طرابلس، وأنّه لن ينسحب من المدينة على رغم الكلفة الكبيرة التي تمثلت بسقوط العديد من الشهداء والجرحى، لكنّ ذلك لن يدفعه الى التراجع، فالقرار حاسم بالتصدّي لكلّ محاولات العبث بأمن طرابلس واستقرارها، بغضّ النظر عن المواقف السياسية التي صدرت من هنا وهناك والتي لن ينساها اللبنانيون عموماً والطرابلسيّون خصوصاً.
وحول الإعتصام الذي كان دعا إليه مؤسس التيار السلفي داعي الإسلام الشهال عقب صلاة الظهر، قبل ان يعود عن دعوته لاحقاً، كشفت المصادر نفسها أنّ قائد الجيش العماد جان قهوجي كان أعطى أوامره بحماية المتظاهرين حتى النفس الأخير، حتى ولو كانوا ضدّ المؤسّسة العسكرية، إيماناً منه بأنّ الجيش جيش وطنيّ ولا يفرّق بين طائفة وأخرى وبين مذهب وآخر، وهو لجميع اللبنانيين ويسمو باحتضانهم له، وحريص على علاقته مع جميع الطوائف والقوى السياسية على حدّ سواء، شرط أن تحترم القانون وتحافظ على المؤسّسات.
وأكّدت المصادر العسكرية عينها حرص المؤسسة العسكرية التام على دور العبادة وحياة المواطنين، ودعت المسلحين الذين يعتدون على عناصرها الى تسليم أنفسهم فوراً إلى قوى الجيش، حرصاً على عدم إراقة مزيد من الدماء.
وشدّدت المصادر على “أنّ الجيش ماضٍ في اجتثاث الفتنة من جذورها وأنّ عملياته العسكرية لن تتوقّف حتى إعادة الأمن الى المدينة وجوارها بصورة كاملة، وانضواء الجميع تحت سقف القانون والنظام”.
وفي هذا السياق نفّذ “تجمّع الحراك المدني” و”مجموعة أهل طرابلس” بعد ظهر أمس، اعتصاماً في ساحة رياض الصلح تحت شعار “طرابلس تريد الأمن والأمان”، تخلّله إضاءة شموع ومسيرة الى ساحة الشهداء.
وحمل المعتصمون الذين أتوا من الشمال ومختلف المناطق اللبنانية، وهم من الاحزاب وجمعيات المجتمع المدني ونقابات المهن الحرة وهيئة التنسيق النقابية، الأعلام اللبنانية، ورفعوا لافتات كُتب عليها: “بدنا الدولة، بدنا الأمن الحازم والعادل، من طرابلس ألف تحية، طرابلس لبنانية، طرابلس مدينتي وأفتخر، مدينتنا طرابلس لا نريدها ساحة مستباحة، طرابلس ترفض الاقتتال بدها أمن وأمان”.

كلمة لسليمان اليوم
وفي هذه الأجواء، تترقّب الأوساط السياسية ما يتضمّنه خطاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في احتفال يقام بعد ظهر اليوم في سراي بعبدا لإزاحة الستار عن 12 نصباً تذكارياً لرؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على الرئاسة منذ الاستقلال حتى اليوم، والذي دُعي إليه بالإضافة الى عائلات رؤساء الجمهورية، وزراء ونواب وفاعليات بعبدا.
وعلمت “الجمهورية” أنّ سليمان سيحافظ في كلمته على السقف المرتفع لمواقفه في الفترة الأخيرة، وسيجدّد التأكيد على الثوابت اللبنانية وسُبل مقاربة الملفّات والإستحقاقات المقبلة على المنطقة ولبنان خصوصاً انطلاقاً من الحرص على سلامته ووحدة أراضيه، والنأي بالنفس عن المعارك في سوريا، ووقف كلّ أشكال التورّط فيها نظراً إلى حجم تداعيات ما يجري على لبنان الذي لا يمكن ان يتحمّل وحده الوِزر بمعزل عن قدرات بعض دول الجوار السوري.
وسيحذّر سليمان في كلمته من استمرار الفلتان الأمني في بعض المناطق، وسيدعو أهالي طرابلس للتنبّه الى مخاطر الانسياق بالمدينة إلى وضع مأسوي. كذلك سيقارب الملفّات المطروحة من باب الحرص على المؤسّسات الدستورية وضرورة ان تقوم بأدوارها كاملة، ووقف كلّ أشكال التعطيل في لحظة إقليمية متفجّرة تفرض على اللبنانيين وقف الإنسياق أو التورّط في هذا المحور أو ذلك، بما يحفظ الحدّ الأدنى من الإستقرار الذي تعيشه البلاد، كذلك الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الواجب حمايتها مع الدول الصديقة والشقيقة وحماية مصالح اللبنانيين اينما وُجدوا في الدول العربية والغربية.
وسيقارب سليمان الإستحقاق الرئاسي ويجدّد التأكيد على انّ همّه الأساس والذي يجب ان يكون همّاً شاملاً لدى جميع المسؤولين اللبنانيّين، تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليتسلّم زمام إدارة البلاد في الموعد الدستوري المقرّر في 25 أيّار المقبل مع نهاية ولايته الحالية.

ميقاتي
وفي هذه الاجواء، عُلم أنّ رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يدرس بجدّية دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد لمناقشة الوضع الأمني في البلاد عموماً وفي طرابلس خصوصاً.
إلّا أنّ مصادر وزارية سألت عبر “الجمهورية”عن جدوى انعقاد المجلس من أجل أمن طرابلس إلّا إذا كان الهدف إعلانها منطقة عسكرية بإمرة الجيش اللبناني، فهذا الأمر يحتاج حتماً إلى قرار من مجلس الوزراء. أمّا إذا كانت الجلسة فقط بهدف المناقشة وأخذ إجراءات، فمجلس الدفاع الأعلى والإجتماعات العسكرية تقوم بهذه المهمّة.
كذلك سألت المصادر: “هل من المفيد الآن معاودة جلسات مجلس الوزراء بعد كلّ هذه الدعوات التي وُجّهت للرئيس ميقاتي من اجل ان ينعقد، وبعد تعرّض البلاد لخضّات كبيرة، وبعد المطالبة بجلسة نفطية؟ وهل سيعقد جلسة لملف طرابلس دون سواها؟”
وأعربت المصادر عن اعتقادها بأنّ ميقاتي يتوقف عند كلّ هذه الأمور قبل ان يتّخذ قراره النهائي”.وكان ميقاتي التقى امس في السراي وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل وبحث معه شؤون وزارته والأوضاع السياسية الراهنة.

المحكمة
وفي مجال آخر، غادر رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي السير دايفيد باراغوانث بيروت عائداً إلى مقرّ المحكمة بعدما بحث مع سليمان وميقاتي ووزير العدل شكيب قرطباوي ونقابة المحامين في التحضيرات الجارية للبدء بالمحاكمات في الرابع عشر من كانون الثاني مطلع العام المقبل.
وكشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ”الجمهورية” أنّ رئيس المحكمة حذّر المسؤولين اللبنانيين من مغبّة التردّد في تمويلها من باب تأمين حصة لبنان التي التزم بها من ضمن الموازنة السنوية للمحكمة لهذا العام، لافتاً إلى مخاطر ان تتوقف المحكمة بعد جلستها الأولى المقرّرة ما لم يكتمل ملف تمويلها.
وذكرت المصادر أنّ ميقاتي تعهّد لباراغوانث بالتمويل ضمن المهلة المحدّدة سلفاً، مشيراً إلى أنّ امام لبنان ما يكفي لتوفير هذا التمويل.وأشارت المصادر الى وجود عقدة ما تؤخّر ملف التمويل حتى الساعة وسط أسئلة حول إمكان وجود هذه الأموال والقدرة على صرفها.

فنيش
وأكّد وزير شؤون التنمية الإدارية محمد فنيش لـ”الجمهورية” أنّ المطلوب وفق ما قصد المشرّع من مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق هو عدم تعطيل مصالح الناس، وبالتالي تستطيع حكومة تصريف الأعمال تحت هذا السقف ممارسة هذا الدور بما لا يضرّ بالمصلحة العامة، وأن تتّخذ قرارات لا ترتّب على البلاد مسؤوليات ونفقات ولا تُخضعها للمساءلة أو للمحاسبة.
وإذ لفت فنيش الى انّنا لسنا في وضع طبيعيّ بل في وضع استثنائي، شدّد على انّ الحكومة مسؤولة ولا تستطيع ان تقول إنّها مستقيلة ولا تتّخذ قرارات، وقال: “لم يكن يتصوّر أحد أنّ أزمة تشكيل الحكومة يمكن ان تمتدّ كلّ هذا الوقت وربّما اكثر، لا أحد يعرف، فهل معنى ذلك أن نترك الوضع الأمني فالتاً؟
وعن عرقلة تأليف الحكومة قال فنيش: الواضح أنّ الفريق الآخر لا يملك القرار الحر لاتّخاذ ما تمليه مصلحة البلاد، وقابل كلّ الحلول التي قُدّمت بالرفض وبشروط كانت نتيجتها عرقلة تأليف الحكومة.

ترّو لـ”الجمهورية”
بدوره، أكّد عضو “جبهة النضال الوطني” الوزير علاء الدين ترّو لـ”الجمهورية” أنّنا “لسنا مع تعويم الحكومة بل مع أن تُعقد بعض الإجتماعات عند الضرورات القصوى كالوضع الأمني لمعالجته، وملف النفط، إضافة الى قضية النازحين إذا وُجدت ضرورة لذلك”، واعتبر أنّ الأمر منوطٌ الآن برئيسي الجمهورية والحكومة للبحث مع المعنيّين بهذا الشأن، ومحاولة تذليل الصعوبات ومعالجة المسائل من دون أن تترك انعكاسات سلبية جديدة على الوضع العام في البلاد”.
وعن السجال بين “الحزب التقدمي الاشتراكي” و تيار “المستقبل”، وهل بلغت الأمور نقطة اللاعودة، أجاب ترّو: “لسنا مستعدّين للدخول في جدال وردود وردود مضادّة مع أيّ فريق سياسي، وتحديداً مع الذين نعتبر أنّ هناك قواسم مشتركة معهم. نحن نُبدي رأينا في كلّ المواضيع المطروحة في البلاد، ومن يعجبه هو حرّ ومن لا يعجبه “يصطفل”، ففي النهاية، لا نستطيع إعطاء رأينا بناءً على رأي أحد آخر يمكن أن نتفاهم معه على هذا الرأي، لكن لا نستطيع انتظاره لنعرف ما هو رأيه كي نبدي رأينا، كائناً من كان هذا الفريق.

أبي نصر لـ”الجمهورية”
من جهته، دعا عضو تكتّل “الإصلاح والتغيير” النائب نعمة الله أبي نصر إلى إعلان حالة الطوارئ في طرابلس لخنق الفتنة في مهدها، مشدّداً على أنّ ذلك لا يصبّ فقط في صالح طرابلس بل في صالح المتناحرين على ساحتها. وأكّد أنّه لا يجوز للحكومة ان ترى المؤسّسات تنهار الواحدة تلو الأخرى، والأمن يهتزّ في عدد من المناطق ولا تتدخّل، وتتذرّع بأنّها حكومة مستقيلة.
وقال أبي نصر لـ”الجمهورية”: كان المفروض أساساً ان تعلَن حالة الطوارئ ليس في طرابلس فحسب وإنّما في كل منطقة يتعرّض فيها الأمن للإهتزاز، ما يشكّل خطراً على الدولة والكيان، وذلك بناءً على طلب من وزيري الدفاع والداخلية، فيستلم الجيش والقوى الامنية لفرض قوانين حالة الطوارئ، وتتحرّك بموجبها النيابات العامة والمحكمة العسكرية، ويُفرض نظام منع التجوّل وتُراقب الحدود والمرافئ.
وأكّد ابي نصر انّه لو فعلوا ذلك لكانت انحلّت المشكلة في غضون ايّام او اسابيع، لا ان ينتظروا 18 جولة ليقولوا كلّفنا الجيش، كان يجب ان تعلَن حالة الطوارئ منذ الجولة الأولى، سواءٌ في طرابلس أم في عرسال أم في صيدا أم في أيّ مكان يحصل فيه خلل أمنيّ يشكّل خطراً على الدولة والكيان، لكنّ ذلك لم يحصل للأسف، وهذا الأمر تتحمّل مسؤوليته الحكومة سواءٌ أكانت مستقيلة أم حكومة تصريف اعمال.
وذكّر ابي نصر بأنه اوّل من دعا الرئيس المكلف تمام سلام الى ان يضع لنفسه مهلة زمنية ويلتزم بها ليؤلّف خلالها الحكومة وإلّا فليستقِل، وقد مضى اليوم اكثر من 8 أشهر ولم يؤلّف.
لكنّه يقول إنّ قوى 8 و14 آذار هي من تكبّله بالشروط: فأجاب أبي نصر :”فليستقل إذن ولتُكلّف شخصية سنّية اخرى بهذه المهمة، إذ لا يمكن التفرّج على مؤسسات الدولة تنهار الواحدة تلو الاخرى من دون ان يتحمّلوا مسؤوليّاتهم.

قضية نصّار
على صعيد آخر، سلكت قضية راعي أبرشية صيدا ودير القمر للموارنة المطران الياس نصّار طريقها القانونية الكنسية، بعدما شنّ الأخير هجوماً عنيفاً على رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، داعياً القواتيين الى تغيير قيادتهم وانتخاب رئيس لا تكون يداه ملطّخة بالدماء.
وبعد أخذ وردّ، ولغط حول كيفيّة التعامل مع هذا الملفّ، أكّد مصدر مطّلع على القضية لـ”الجمهورية” أنّ “البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وقّع أمس الأوّل مرسوم بطريركي يقضي بإحالة نصّار الى المحكمة الكنسية، وقد تبلّغ الأخير أمس به، على أن تبدأ المحاكمة منتصف الأسبوع المقبل”. وشدّد المصدر على أنّ “قضية نصّار قد حُسمت، ولن تؤثّر على العلاقة بين بكركي و”القوات” التي هي خطّ الدفاع الأوّل عن البطريركية المارونية”.

السابق
الأخبار: طرابلس بلا خطة أمنيّة!
التالي
البناء: المواقف الضبابية لقيادات طرابلسية تُعيق تنفيذ الخطة الأمنية