السفير: ثغرات سهّلت التنفيذ.. وشخصان أطلقا رصاص الكاتم

كتبت “السفير ” تقول: بدت بصمات اسرائيل واضحة في جريمة اغتيال القيادي المقاوم الشهيد حسان هولو اللقيس، في محلة الحدث في الضاحية الجنوبية لبيروت. ولم يكن “كاتم الصوت” كافياً لطمس المسؤولية الاسرائيلية عن هذه الجريمة، التي استفاد مرتكبوها من بعض الثغرات للوصول الى اللقيس في مقعد سيارته، بعدما عجزت الطائرات المعادية عن النيل منه خلال حرب تموز 2006، التي استشهد خلالها ابنه علي.
وإذا كان الاسرائيليون قد استفادوا من مناخ سياسي داخلي متأثر بالصراع في سوريا، ومن “ثقوب” محتملة في تدابير الحماية والوقاية لدى الشهيد، فإنه يسجل لهم أنهم أعادوا تذكير جميع اللبنانيين ببديهية أن اسرائيل عدوهم الأول، وأن المواجهة الأمنية بينها وبين المقاومة لا تزال مفتوحة على مصراعيها، وإن يكن البعض في الداخل والمنطقة، يحاول اختراع عدو جديد، تارة بعنوان مذهبي وطورا بعنوان إقليمي.
وكما حصل مع قادة آخرين في المقاومة بعد استهدافهم، كشف استشهاد اللقيس عن سيرة ذاتية غنية في مقارعة الاحتلال الاسرائيلي، جعلته هدفا مزمنا لأكثر من محاولة اغتيال في السابق، ويكفي أن يقرّ المعلّقون الإسرائيليون بأن اللقيس كان عقلا لامعا في جسم المقاومة حتى يتضح سبب الإلحاح على ملاحقته واستهدافه.
وتفيد المعلومات أن اللقيس الذي انضم الى المقاومة منذ بداياتها كان من “أدمغتها الذكية”، ووُصف بأنه مبدع في ميدان الصراع التكنولوجي مع اسرائيل، وله صولات وجولات على هذا الصعيد. وقد تردد أن “طائرة ايوب” الشهيرة التي اخترقت اجواء فلسطين المحتلة تحمل بصماته.
وفي انتظار نتائج التحقيق الذي باشرت به أجهزة “حزب الله” والأجهزة الامنية، رجّحت المعلومات أن يكون شخصان اثنان قد أطلقا رصاص “كاتم الصوت” على اللقيس، فيما تولى آخرون الرصد والاستطلاع.
ومع الميل الى الجزم بأن الجهة المسؤولة عن الاغتيال هي إسرائيل، يبقى السؤال عما إذا كان الموساد قد تولى مباشرة تنفيذ الجريمة ام استعان بأدوات محلية، علما أن الجهات المتابعة ترجح الفرضية الاولى، باعتبار أنه سبق للموساد أن ارتكب بنفسه جرائم مماثلة، من نوع اغتيال الشهيدين غالب عوالي وعلي حسن صالح، من دون إغفال إمكانية حصوله على مساعدة لوجستية من معاونين محليين يتولون عادة المساهمة في تحضير مسرح الجريمة.
ويمكن القول إن ثلاثة عوامل أفضت الى حسم التورط الاسرائيلي في عملية الاغتيال، هي:
ــ طبيعة الهدف.
ــ طريقة التنفيذ.
ــ المطاردات السابقة للشهيد.
كما لوحظ أن الاسرائيلي لجأ للمرة الاولى تقريبا في صراعه الاستخباري مع المقاومة الى استخدام “كاتم الصوت” في الاغتيال، بدل العبوات الناسفة، وكأنه اراد من خلال هذا الأسلوب أن يوحي بجرأة في نمط الاستهداف، وثقة في القدرة على تحقيق الهدف، الى جانب فتح الباب امام اجتهادات وتأويلات في ما خص هوية الجهة الفاعلة.
ومن الواضح أن اللقيس كان موضع رصد دقيق في الفترة السابقة، وصولا الى اختيار اللحظة المناسبة لاغتياله قرابة الثانية عشرة منتصف ليل الثلاثاء ـ الأربعاء الماضي، فيما كان يهم بالنزول من سيارته للتوجه الى منزله الكائن في منطقة سان تيريز ـ الحدث، علما أنه لا يقيم بشكل دائم في هذا المنزل، وإنما يتردد عليه من حين الى آخر، علما أن اللقيس هو مسؤول وحدة في “حزب الله”، وكان قد أوجع الاسرائيليين مرات كثيرة، وهم قرروا منذ فترة طويلة استهدافه بوسائل متعددة.
وقالت مصادر المقاومة لـ”السفير” إن ما جعلها تستبعد فرضية التكفيريين في معرض توجيه الاتهام، هو أن اللقيس لم يكن معروفا لدى المجموعات التكفيرية التي ليست على علم بطبيعة دوره وعمله، في حين أن اسرائيل تعرفه جيدا وترصده منذ زمن طويل.
وأشارت المصادر الى أن العدو الإسرائيلي بدّل هذه المرة في اسلوبه، من باب التضليل والتمويه، لافتة الانتباه الى وجود كاميرات في المحيط، يجري حاليا تحليل صورها. واعتبرت أن منفذي جريمة الاغتيال استفادوا من الواقع الجغرافي لتنفيذ عمليتهم بشكل خاطف، ثم الانسحاب السريع، عبر البستان المجاور ومنه الى الشارع العام (بولفار كميل شمعون) الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مكان إقامة اللقيس.
وفيما جرى تشييع حاشد للشهيد في بعلبك وأجمعت ردود الفعل على التنديد بالاغتيال، اتهم “حزب الله”، عبر بيان، العدو الاسرائيلي بالوقوف خلف هذه “الجريمة النكراء”، محمّلا إياه جميع تبعاتها.
أما في اسرائيل، فقد اعتبر بعض المعلقين العسكريين أن اغتيال اللقيس، بالطريقة التي تمت، يشكل الضربة الأقسى لـ”حزب الله” منذ اغتيال القيادي البارز عماد مغنية في 12 شباط 2008 في حي كفرسوسة في دمشق.
وكتب المعلق العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل أن اغتيال اللقيس يبدو كعملية “نظيفة واحترافية، خصوصا أنها جرت في الضاحية”.
وأشار هارئيل إلى أن اللقيس، من كبار القادة العملياتيين في “حزب الله”، وهو معروف لأجهزة الاستخبارات الغربية منذ الثمانينيات، ووصفه رجال الاستخبارات في السابق بأنه “عقل لامع”، والرجل الذي يشغل في الحزب دورا مركبا يوازي منظومة التطوير وشعبة التكنولوجيا والإمداد في الجيش الإسرائيلي.
وأكد أن اللقيس كان ضالعاً ومطلعاً على كل الأسرار العملياتية لـ”حزب الله”، من المشتريات وتطوير وسائل قتالية متقدمة، مرورا باستخدام منظومات اتصال سرية وصولا إلى الخطط العملياتية، وبالتالي، فإن مقتله يحرم الحزب من “بؤرة خبرة”، ومن شخص “راكم تجربة وعلاقات متنوعة مع أجهزة الاستخبارات السورية والإيرانية خدمت حزب الله طوال ثلاثة عقود تقريبا”.
ورأى أنه “إذا كان الأمر فعلا يتعلق بعمل إسرائيلي، فمن الجائز أن ذلك محاولة لاستغلال الفوضى الكبيرة في لبنان ـ انعكاسا للحرب الأهلية الفتاكة في سوريا ـ لضرب حزب الله. واللقيس هو العنوان في الطرف الثاني لمساعي تهريب منظومات سلاح متطورة من سوريا إلى حزب الله، التي أعلنت إسرائيل في الماضي عن أنها تعمل على إحباطها”.
وأعرب معلقون إسرائيليون آخرون عن اعتقادهم بأن “حزب الله” ليس في موضع الرد على إسرائيل لاعتبارات تتعلق بانشغاله في الحرب السورية، فضلا عن أن الواقع اللبناني الداخلي، الذي ينطوي على الكثير من التوتر على خلفية الحرب في سوريا، يقيد رد فعل “حزب الله” أيضاً.

السابق
النهار: اغتيال اللقيس يخرق الاستنفار سليمان يرفض تهجّم نصرالله
التالي
الديار: اغتيال القيادي حسّان اللقيس واتهام اسرائيل بالجريمة من قبل حزب الله