أنا مش طائفي …

لم أكن يوماً طائفياً، وأقصد بالطائفية هنا ما تحمله هذه الكلمة من رفض للآخر المختلف ومحاولة اقناعه اننا الطائفة الناجية في هذه الدنيا. في غمرة الحرب الاهلية اللبنانية التي كان لي شرف عدم معاصرتها في سنواتها الاولى ولكن حصدت خاتمتها في الطائف حينها كنت على يقين بأن تقاتلنا في لبنان ليس مسلم في مواجهة مسيحي بل صراع بين مشروعين ندفع ثمنه نحن اللبنانيين كما يدفع ثمنه اناس آخرون اليوم.

لم اخض في يوم من الايام نقاشاً سياسياً مرتكزاً على ثوابت طائفية. رفضت ككثر غيري ما حاكه لنا الطائف من ترويكا وان كانت لشخص طائفتي حصة الاسد فيها مقارنة مع كانت تفتقده قبل الحرب الاهلية. في مرحلة ما بعد الطائف رفضت احادية نبيه بري داخل طائفتي وآمنت بالتعددية سبيلاً لاستمرار الحكم. لم اقتنع بالنهج الحريري القائم على الاهتمام بالحجر قبل البشر، بالاغنياء قبل الفقراء، بالاستدانة على حساب تفعيل القطاعات الانتاجية. في مرحلة ما بعض الطائف عارضت سياسة اقصاء المسيحي ومعاقبته، رحبت بعودة رموزه وتفعيل دورهم اذ انه بغياب ذلك لا معنى لعيش مشترك. دافعت عن المقاومة ابان وبعد زوال الاحتلال عن أرضي وكنت من أشد معارضيها حينما كانت تغض الطرف عما يحصل في الداخل من سرقات ونهب ومحسوبية.
وعلى هذا المنوال مرت سنوات “الطائف”. اغتيل الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005. خسرت الترويكا احد ابرز مرتكزاتها ولكن حقق مخطط عملية الاغتيال هدفه وهو قبل ذلك كان قد نجح في العراق بأن دمر بلدا ودولة نجح في زرع بذور فتنة حرب اهلية لا يزال العراقيون يدفعون اثمانها ليومنا هذا. بعد اغتيال الحريري بساعات صدر الحكم سريعاً “النظام السوري وحلفاؤه في لبنان قتلوا الرفيق. ثارت ثورة الارز وأيدت مبادئها المرفوعة من حرية وسيادة واستقلال عن الجميع ووجدت في نسيجها الوطني الجامع تأكيداً لقناعاتي على ان تخاصمنا سياسي مسبباته عواصف هوائية خارجية ولكن عارضتها حينما اصدر قادتها احكامهم التعسفية بحق الضباط الاربعة وبعدها بإلصاق التهمة على كل من يعارضهم. دافعت عن مبدأ المحكمة الدولية مراعاة لمشاعر الآخرين مع يقيني بأن هذا المجتمع الدولي لم ينصف حقوقنا في يوم من الايام فكيف سينطق القائمون عليه بحكم العدل، وهو ذكرني بمسايرتي يوماً لاحدهم حينما قال “لقد قتل يزيد رضي الله عنه مولانا الحسين رضي الله عنه”. في تموز 2006 أصررت على الصمود في بلدتي على حدود شمال الليطاني وجنوبه حيث كانت لمعركة الميركافا في وادي الحجير الكلمة الفصل، التي اثمرت نصراً لبنانياً صافيا مئة بالمئة، اعترف به العدو قبل الاصدقاء وان كان بعضهم وصف حالنا بالمغامرين علماً انه وحسب الوكيبيديا فإن آخر المعارك التي خاضها هؤلاء مع اعداء الامة كانت معركة أحد ولم يكن نصيب المسلمين منها سوى الخسارة.
مع ثورات “الربيع العربي” ، تحمست لشجاعة البوعزيزي وتضحياته، أيدت و “طائفتي” انتفاضة شعب ” سني” على حاكم سني ظالم كزين العابدين بن علي. وقفت و”طائفتي” مع ثورة مصر و”اخواننا” المسلمين في نضالهم ضد حسني مبارك. أما في ليبيا فوضعنا القذافي امام خيارين احلاهما مر إما مجازره وإما ترحيبنا بتدخل الناتو، وهنا المسايرة مجدداً رضينا بالناتو على مضض، قتل القذافي وحكم “اخواننا”. في البحرين لم يرد “اخواننا” لها ان تطالب بأبسط حقوقها في اصلاحات دستورية تجعل من مواطنيها سواسية امام الدولة والقضاء، تذكروا الخطر الفارسي القادم من الشرق كما تذكروا بعد 40 عاماً من حكم آل الاسد ان بشار علوي كافر وعلى الاوجب محاربته والقضاء على اتباعه وسلالته. فمن حروب اهلية الى محكمة دولية الى دول اقليمية وصولاً الى قوافل انتحارية لا يصح إلا القول “انا مش طائفي بس شو بعملكن اذا اجتمعوا فيي كل الاشيا الطائفيين”.

السابق
«جنيف 2» مناورة أم مؤامرة.. وهل سيعقد أم لا؟!
التالي
استنفار اسرائيلي قبالة مرجعيون