رحل نجم.. وبقيت الكلمة

نجم

توفي الشاعر الشعبي المصري احمد فؤاد نجم رمز الشعر السياسي في العالم العربي عن عمر 84 عاما.
وبدأ نجم كتابة الشعر في الخمسينات وعرف في مصر في الستينات بقصائده السياسية النقدية المرتكزة على حس اجتماعي عميق تجاه الحرية والعدالة الاجتماعية، ما ادى الى اعتقاله اكثر من مرة في فترة حكم الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وانور السادات.
غيّبه الموت من دون أن يعرف البيت الأخير من تداعيات “الربيع العربي” والثورة المصرية، هو مَن كان يُعتبر أحد عواميد الثورات والإحتجاجات المصرية منذ أيام الإنتداب الإنكليزي.
طغى الشعر القومي والقريب من الناس على أشعار “نجم” الذي رافق الشيخ إمام في معظم اعماله للتعبير عن السخط والإحتجاج الذي تلا نكسة نيسان/ابريل 1967، ما دفع بالرئيس الراحل أنور السادات إلى اطلاق عليه تسمية “الشاعر البذيء”.
لم يستطع نجم ان يتوافق مع أي حكومة أو سلطة مصرية، فسجن مرات عديدة، كما دخل في خلافات مستفيضة وعميقة مع كبار المسؤوليين السياسيين في البلاد في أكثر من مرحلة تاريخية ومنها ما يحدث اليوم في مصر، وإبان إنطلاق تحركات حملة “تمرد”، اكد على تمرده مرة أخرى فثار على السلطة المصرية بقيادة الرئيس محمد مرسي، “طبعاً تمردت، وأتمنى منكم أن توقعوا على استمارات الحملة، فلو لم نتمرد نحن، من سيفعلها؟ الإخوان؟”.
ولعل هذا النفس الإحتجاجي بداخل نجم بدأ في الفترة ما بين 1951 و1956، عندما انتهت معركة السويس وقررت الحكومة المصرية آنذاك تأميم القاعدة البريطانية وكل ممتلكات الجيش هناك؛ ويقول نجم في إحد مقابلة له: “بدأنا عملية نقل المعدات، وشهدت في هذة الفترة أكبر عملية نهب وخطف شهدتها أو سمعت عنها في حياتي كلها. أخذ كبار الضباط والمديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم،..، فقدت أعصابي وسجلت احتجاجي أكثر من مرة، …، وفي النهاية نقلت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن تعلمت درساً كبيراً، أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية، كنت مقهوراً وأرى القهر من حولي أشكالاً ونماذج، …، كان هؤلاء الكبار منهمكين في نهب الورش، بينما يموت الفقراء كل يوم، دفاعاً عن مصر”.
بالرغم من مرور سنوات عديدة، حفظ جسد نجم النحيل حتى غيابه آثار الضرب التي تعرض لها في احد ايام 1959 بعد صدامات جرت في أحد أحياء القاهرة القديمة على إثر أحداث العراق، عندما اتهم مع أربعة آخرين بالتحريض والمشاغبة وتعرضوا للضرب المبرح وحتى فارق أحدهم الحياة.
شكل دخوله السجن لمدة 33 شهراً بتهمة إختلاس الأمول محطة بارزة في حياته يصعب إغفالها، ومن ثم العودة مجدداً إلى الزنزانة لمدة 3 سنوات بتهمة تزوير استمارات شراء، بعد أن حاول الإعتراض على سرقات شهدها.
تحركاته الشعبية وتضامنه مع حقوق “الغلابة” ولغته العامية في الكتابة جعلته أقرب للناس ولمطالبهم، فاعترف به الكثيرون كأب لثورة الكلمة، كما جعله هذا الأمر يكتسب لقب “سفير الفقراء” من قبل المجموعة العربية لصندوق مكافحة الفقر في الأمم المتحدة، وفاز مؤخراً بجائزة “مؤسسة الأمير كلاوس الهولندية للثقافة والتنمية” الكبرى، تقديراً لتأثيره الكبير في عدة أجيال مصرية وعربية، وكان من المقرر أن يتسلم الجائزة في ديسمبر / كانون الأول الجاري.

السابق
الجولة ال18 من الاشتباكات بطرابلس خارجة السيطرة كليا
التالي
حملة «كلمة الله يساعدها ما بتساعدها» لمواجهة العنف ضد النساء