التلاعب بالصور هل هو من متطلبات الدعاية السياسية

كان من سمات عهد ستالين: اختفاء صور الزعماء السوفيات من الصور الرسمية. لم يتهم أحد أوباما بهذه الحيلة (حسناً ليس سوى من يعتقدون أنه قد زور شهادة ميلاده)، لكن تغييراً في الممارسة التي استمرت فترة طويلة في البيت الأبيض، قد أثارت الأسئلة حول نزاهة الصور التي يراها الأميركان لرئيسهم.
قام البيت الأبيض باستبعاد مصوري الأخبار عن المناسبات الرسمية للرئيس الأميركي باراك اوباما بصورة متزايدة، وبدلاً عن ذلك نشر صورا يلتقطها مصورون داخل البيت الأبيض، وهم موظفون حكوميون. وكثيراً ما تظهر تلك الصور على الإنترنت والصحف، على الرغم من أنها تفتقر لذات معايير الموثوقية التي تحكم الصور التي يلتقطها المصورون الصحافيون، «بذات الثقة التي تكون لدى مسؤولي البيت الأبيض، وكأنهم يضعون يداً على عدسات كاميرات الصحافيين، يقوم المسؤولون في هذه الإدارة بمنع الشعب من الحصول على صورة مستقلة لوظائف مهمة من وظائف هذا الفرع التنفيذي للحكومة». هكذا كتبت «رابطة مراسلي البيت الأبيض» بالتضامن مع وكالة «الاسوشييتدبرس» وغيرها من مؤسسات الأخبار في خطاب للسكرتير الصحافي للبيت الأبيض جيي كارني مؤخرا، الذي قال فيه «في الواقع إنكم تستبدلون الصحافة المصورة الحرة، بالتصاريح الصحافية المصورة. وقد شبه مصور صحيفة (نيويورك تايمز) داغ ميلز تصرفات الإدارة الأميركية بوكالة (تاس)، وهي وكالة أنباء الاتحاد السوفياتي في السابق».
لكن أشهر التصاريح الصحافية المصورة كانت صورة من غرفة عمليات الموقف «ستيويشن روم» يوم أن قامت القوات الأميركية بقتل اسامة بن لادن، وجرى تعديل الصورة رقمياً، بحيث لا يمكن رؤية المواد التي كانت على الطاولة أمام وزير الخارجية.
ربما كان ذلك الموقف استثناءً. كما لا يتوقع المصورون الصحافيون السماح لهم بدخول غرفة عمليات الموقف. وقد أثارت الصورة المتلاعب بها السؤال عما إذا كانت صور أخرى قد جرى تعديلها أيضاً؟ فذلك سهل في عصر «الفوتوشوب». ففي بداية السنة قامت النائبة الجمهورية نانسي بيلوسي بركاكة، بتبديل صورة جماعية للنساء الديمقراطيات في الكونغرس، حتى تضيف أربعاً من النائبات الغائبات، وكثيراً ما لا تجري ملاحظة ذلك.
سألت بيتي سوزا أحد مصوري البيت الأبيض عما إذا كان قد عُدلت صور أخرى له، وأرسل لي نائب السكرتير الصحافي جوش ايرنست، الذي قال إن تعديل الصور يكون فقط لحماية المعلومات السرية، وأنه لا علم له بحالات أخرى، ثم دافع عن إصدار الصور بصفةٍ عامة قائلاً للمراسلين: «هناك بعض الظروف الخاصة التي يكون من غير المجدي فيها ببساطة أن يكون هناك صحافيون مستقلون في الغرفة، بينما يقوم الرئيس باتخاذ القرارات».
اتخاذ القرارات تلك من بعض اللحظات التي استبدل فيها البيت الأبيض المراقبين الداخليين بمراقبين مستقلين: الرئيس وزوجته يلوحان لحشود من الجمهور، بينما يبدو نُصب واشنطن في الخلفية في الذكرى الخمسين لمسيرة مارتن لوثر كنغ. أوباما يسبح مع احدى ابنتيه في خليج المكسيك لتوضح الصورة أن المياه نظيفة. أوباما يحتضن احدى ابنتيه في زنزانة نيلسون مانديلا. الرئيس يتجول في كنيسة في الضفة الغربية في الموقع الذي يعتقد أن السيد المسيح قد وُلد فيه (كان قد سُمح للمصورين الصحافيين بالتقاط صور أثناء زيارة الرئيس الأسبق جورج بوش لذات الموقع). أوباما وحده في حافلة روزا باركس وهو يجلس في ذات الصف الذي كانت تجلس فيه أيقونة الحقوق المدنية. أوباما يصافح أكبر قُدامى المحاربين الأحياء من الحرب العالمية الثانية في عيد قُدامى المحاربين. أوباما يصافح ميت رومني في المكتب البيضاوي. الرئيس وزوجته يصافحان صبية في اليوم الذي عاود فيه البيت الأبيض العمل هذا الشهر.
خلال الأشهر القليلة الماضية استبدال البيت الأبيض التصوير الداخلي للصور المستقلة للرئيس مع التجمع الإسباني بالكونغرس والرؤساء المشتركين في الحوار الأميركي – الصيني الاستراتيجي والاقتصادي. وصور هيلاري كلينتون، والمفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين، والزعماء الروحيين الأفارقة والأميركان. والنائبين جون ماكين وليندسي غراهام والناشطة الباكستانية في مجال حقوق الإنسان ملالا يوسف زاي.
لا يحتاج الأمر لتعديل الصور حتى تبدو مضللة، فإن اصدار صور تُظهر الرئيس في أكثر المواقف تملقاً، يمكن أن يخلق صورة أقل أمانة للتاريخ. ومثل هذه الصور تظهر عادةً في حساب فليكر البيت الأبيض، ويجري أخذها مجاناً ثم اعادة توظيفها بواسطة خدمات الأخبار السيئة السمعة ونشرها بواسطة مراكز توزيع اعلامية غير مشكوك فيها. مصورو الأخبار غاضبون لأن ذلك يهدد رزقهم، وعلينا أن نقلق جميعاً، لأن تلك من صفعات الدعاية السياسية.
واحتجت الرابطة بقولها: «إن استثناء الصحافة من تلك المهام، هو ابتعاد كبير عن اسلوب الإدارة السابقة في تعاملها مع الصحافة».
أشك في أن البيت الأبيض في عهد أوباما يتلاعب بالصور، وهناك أنواع من المتشككين في أهلية أوباما للحكم، والذين يتهمون البيت الأبيض بوضع أوباما في أماكن لم يكن فيها. لِمَ يعطهم الوسيلة؟!

السابق
انتصار آخر لبوتين
التالي
الدستور الجديد لمصر