اللواء: ليل طرابلس مثل نهارها قرابة 70 قتيلاً وجريحاً برصاص القنص

كتبت “اللواء ” تقول: “الجرح المفتوح” في طرابلس، والذي زادت حصيلته يوم أمس عن 14 قتيلاً وأكثر من 50 جريحاً في تطور ميداني – عسكري لم تشهده كل الجولات السابقة، فضلاً عن تفخيخ مبان وإطلاق قنابل مضيئة في أجواء محاور القتال في التبانة وجبل محسن، ضاعف من حجم المخاوف التي تقضّ مضاجع اللبنانيين، في ضوء العجز عن السيطرة على الموقف، الأمر الذي من شأنه أن يهدد بتوسع نطاق الاشتباكات واتساع رقعة العنف والعنف المضاد أولاً، وثانياً انتقاله إلى مناطق أخرى تشهد احتقاناً متزايداً.
وكما انشغلت الأوساط السياسية وأهالي المدينة بمتابعة أخبار القصف والقنص نهاراً، تابعت ليلاً المعلومات والأنباء عن اقتحامات وتفجيرات، في ظل سجال برز بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، حول مطالبة الأخير باعتكاف رئيس الحكومة احتجاجاً على ما يجري، وتهديد النائب خالد ضاهر بالالتحاق “بالشعب للدفاع عن نفسه ما لم يتم إيقاف القتلة والمجرمين خلال 48 ساعة”، في حين طالب وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل القوى السياسية التي “تمون” على المسلحين بالطلب إلى الدولة حسم الموقف.
وإذا كان “حزب الله” نفى بصورة مطلقة أن يكون لديه خبراء على الأرض يقاتلون إلى جانب المسلحين في جبل محسن أو مناصري الحزب العربي الديمقراطي، فإن إمام مسجد “السلام”الذي تعرّض للتفجير في طرابلس الشيخ بلال بارودي نفى أن تكون هناك لجنة عسكرية لأولياء الدم، مؤكداً أن خيارهم دائماً هو الدولة وتحت سقف القانون.
وفيما كانت المعالجات الرسمية تكاد تغيب تماماً عن مسرح الأحداث، فإن اللقاء الدوري بين الرئيس نبيه بري ورئيس كتلة “المستقبل” النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، ناقش باستفاضة مخاطر ما يجري في طرابلس، من زاويتين، الأولى: ضرورة حصر ذيول هذه الاشتباكات، والثانية: ضرورة اضطلاع القوى الأمنية بدورها لوقف النزف وإحالة المتورطين، سواء في تفجير مسجدي “التقوى” و”السلام” أو التعدي على العمال والمواطنين من جبل محسن وإطلاق النار على أرجلهم إلى القضاء.
وأوضحت مصادر المجتمعين أن الطرفين أكدا على ضرورة احتواء ما يجري والنأي بالمدينة عن أي صراعات.
وأكدت أن أجواء اللقاء، وهو الرابع في خلال الأشهر الثلاثة الماضية، اتسمت بالإيجابية والصراحة، وتم التوافق على استمرار التواصل ومتابعة النقاش لمختلف الملفات المطروحة، مشيرة إلى أن “لا جديد على مستوى تأليف الحكومة، وهذا الاستحقاق ما زال يراوح مكانه”.
ونفت المصادر أن يكون البحث تطرق إلى زيارة محتملة للرئيس بري إلى المملكة العربية السعودية، في مسعى لتنقية العلاقات السعودية – الإيرانية، وإن كان رئيس المجلس أطلع الرئيس السنيورة على نتائج زيارته الأخيرة لطهران.
وبحسب معلومات لمصدر نيابي في كتلة “المستقبل” فإن اللقاء الذي تخلله مأدبة غداء أقامها الرئيس بري على شرف ضيفه في عين التينة، كان مناسبة لمتابعة البحث في كل المواضيع والملفات المطروحة، من موضوع الحكومة، إلى الحوار، إلى الأزمة السورية، إلى الجلسات المعطلة لمجلس النواب، إلى نتائج زيارة إيران، مشيراً إلى أن الأجواء كانت جيدة، بحسب ما أكد أيضاً الرئيس السنيورة بنفسه، وعلى متابعة اللقاءات، علماً أن هذه اللقاءات كانت تعقد بشكل دوري كل أسبوعين، إلا أن هذا اللقاء تأخر بسبب مصادفة ذكرى عاشوراء.
وأكد المصدر النيابي لـ “اللواء” أنه حصل في اللقاء شيء من التقدّم من دون أن يكون هناك اتفاق على ملف من الملفات المطروحة، مشيراً إلى أن “هذا الشيء من التقدّم لا يعني أن الرئيسين قد انتهيا من بحث ملف ما وانتقلا للبحث في ملف آخر”.
وكان الرئيس السنيورة قد أكّد في خلال ندوة صحفية عقدها في مكتبه في الهلالية – صيدا، بأن هناك من يعمل من أجل إبقاء طرابلس جرحاً نازفاً، وأن هناك حاجة لأن تعمد الدولة إلى سحب السلاح من الجميع في المدينة، وأن التراخي الأمني منذ تفجير المسجدين دفع بالبعض لأن يحاول أن يأخذ زمام الأمر بيده، ولأن يستعمل السلاح للقصاص ممن ليسوا هم مسؤولين عن هذا الامر، وهو مرفوض جملة وتفصيلاً، ونعرف انه لا يجوز لا بالقانون ولا بالشرع ولا بالانسانية، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وأن هذا يُشكّل مظهراً من مظاهر تردي الدولة وحضورها وهيبتها، مقترحاً استبدال قادة الأجهزة الأمنية الموجودين حالياً في طرابلس.
واعتبر الرئيس السنيورة أن هناك مصلحة وسريعة في أن يُبادر “حزب الله” الى الانسحاب من سوريا، اقتداء بمصلحته بداية، وثانياً لمنع المزيد من التدهور في العلاقات اللبنانية – اللبنانية، مؤكداً موقف “تيار المستقبل” المتمسك بالشراكة اللبنانية والعمل على خفض مستويات التوتر بتشكيل حكومة انتقالية، ولا سيما اننا على ابواب مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية.
في غضون ذلك، أبلغت مصادر سياسية مطلعة “اللواء” انه مع عودة المعارك مجدداً إلى طرابلس، فان الانشغال السياسي سينحصر في كيفية تهدئة الوضع وفرض الأمن، من دون أن تستبعد بأن يشهد القصر الجمهوري اليوم اجتماعات أمنية يعقدها رئيس الجمهورية ميشال سليمان للاطلاع على سير الأحداث في المدينة، وبذل جهود مضاعفة لوقف نزيف الدم هناك.

ميقاتي
وكان لافتاً للانتباه، أمس، البيان – النداء الذي وجهه الرئيس ميقاتي إلى الطرابلسيين، وفيه تعهد باتخاذ موقف موحد بالتوافق مع جميع نواب المدينة، حيال أي خلل أو تلكؤ في تنفيذ ما اتخذ من قرارات، مشيراً إلى انه “ستكون لنا كلمة واحدة حيال ما يجري، فلا رئاسة دائمة ولا نيابة تدوم ولا زعامة تفيد ولا شيء يستحق سقوط الأبرياء وتدمير طرابلس”.
وقال أن “طرابلس هي للجميع وصدرها الرحب ومحبتها تتسع للجميع. اما من يستهدفها فسيلفظه التاريخ وسيحاسب في الدنيا والآخرة على ما جنت يداه”.
ونفت أوساط ميقاتي أن يكون في وارد الاعتكاف أو الرحيل، بحسب ما طالبه به أمس اللواء ريفي، مشيرة إلى أن الأخير كان مسؤولاً عن الأمن خلال 16 جولة سابقة، ولم يفعل شيئاً لوقف نزيف الدم فيها.
وكشف الرئيس ميقاتي في بيانه، أن الاجتماع الموسع الذي انعقد في دارته في طرابلس السبت في حضور وزير الداخلية ونواب المدينة والقادة الأمنيين، اتخذ فيه قرار، بعد التشاور مع الرئيس سليمان، بوضع كل القوى الأمنية تحت إمرة قيادة الجيش، وأن يقوم الجيش باتخاذ كل الإجراءات المناسبة والحاسمة لضبط الأمن، كما اصدر القضاء مذكرات توقيف بحق جميع المخلين بأمن المدينة وأهلها، ونحن على يقين بأن الجيش سيقوم بالمهمات الملقاة على عاتقه وسينفذ المذكرات القضائية بمجملها.

طرابلس الجريحة
ولكن حتى ساعة متأخرة من الليل، كانت الاشتباكات لا تزال مستمرة، من دون أن ينفذ الجيش قراره بالحسم دون الرجوع إلى السياسيين، وعنفت الاشتباكات على محور المنكوبين والريفا – جبل محسن، اعتباراً من العاشر والنصف ليلاً، وبدأت القذائف تطال أبعد من محاور القتال إلى مناطق كانت تعتبر أكثر أمناً، ما أدى إلى حالة هلع لدى سكان المناطق الخلفية لأماكن الاشتباكات، حيث تطلق القذائف الصاروخية على نحو متواصل، ويقوم الجيش بالرد على مصادر النيران بالاسلحة المناسبة.
وأعلنت معظم المدارس الخاصة والرسمية عن اقفال أبوابها اليوم بسبب الاشتباكات ونظراً لتدهور الأوضاع، وتحديداً في مناطق: الميناء، الضم والفرز، أبي سمراء والقبة، فضلاً عن وسط المدينة ومحيطها، وكذلك المدارس القريبة من محاور القتال وصولاً الى البداوي ودير عمار وحتى المنية.
ولاحظت مصادر مطلعة أن الجولة الثامنة عشرة التي بدأت عملياً منذ السبت وظلت مشتعلة، اتسمت بدخول أنواع جديدة من الأسلحة، من بينها قناصات متطورة ذات مدى بعيد، وهذا ما يفسّر سقوط هذا العدد الكبير من القتلى في اليوم الأوّل، ومعظمهم قتلوا بعمليات قنص من جبل محسن، على اعتبار ان القتلى الـ14 الذين تمّ احصاؤهم أو نقلوا إلى المستشفيات جميعهم من طرابلس، وكانت اصاباتهم بالرأس، في حين لم يعلن حصول اصابات في جبل محسن باستثناء ثلاث.
يضاف إلى ذلك كثافة النيران المستخدمة في الاشتباكات، وهذا ما يُؤكّد وجود تطوّر في الخبرات العسكرية لدي المسلحين في جبل محسن والذين باتت لديهم مقدرة قتالية، وتحولت منطقتهم إلى “قلعة عسكرية” على كتف المدينة مع خط امداد استراتيجي من أحد المراكز التابعة لتنظيم فلسطيني موال للنظام السوري.
وصدرت نداءات إلى سكان المناطق القريبة من المحاور للنزول من الطبقات العليا، خوفاً من استهدافها بالقصف.
في المقابل، بثت محطة تلفزيون L.B.C تسجيلاً صوتياً للمسؤول السياسي للحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد يقول فيه أن “الجيش اهلنا ولا نخطئ بحقه” متمنياً اخذ الحيطة من قذائف الهاون، حيث اتهم أحد الأجهزة الأمنية بالتعاون مع المسلحين في قصف منزله بقذائف الهاون ليل السبت – الأحد.
وكشفت معلومات أن قوة من الجيش حاولت الدخول على أكثر من محور، لكن النار أطلقت عليها من جبل محسن، فأصيب ضابط، ونعى الجيش الجندي عبدالله عجاج نتيجة اصابته بطلق ناري في الرأس في محلة البقار، وهو في لباسه المدني لأنه في وضع مأذونية.
وفي صيدا، عاد التوتر إلى مخيم عين الحلوة، بعد وفاة العنصر في حركة “فتح” محمّد السعدي الذي اصيب بجروح خطرة في رأسه اثر اقدام مجهول على اطلاق النار عليه داخل المخيم. وأشار قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب إلى وجود طابور خامس يريد عدم الاستقرار للمخيم، متوقعاً احتمال أن يكون هناك ترابط بين ما يحصل في طرابلس وما حصل في المخيم.

السابق
المستقبل: الأمن بالتراضي يستبيح طرابلس
التالي
الشرق: لبنان يتطلع الى تفاهم ايراني سعودي يرسي الامور فيه على بر