من الممانعة إلى المعاندة

عشر سنوات من المفاوضات بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية في ايران، حتى تم توقيع اتفاق جنيف النووي. حسن روحاني بدأ المفاوضات عام 2003، وهو الذي انجز خواتيم مرحلتها الاولى، في اتفاق يلزمه الكثير من القراءة الهادئة، والمزيد من الصبر والمتابعة لتحديد طبيعة الجزء الغارق من “جبل جليد” العلاقات الاميركية الايرانية.
المفاوضات ستستمر وبوتيرة اسرع. المهم منها سيكون علنياً، والاهم سيبقى سرياً. النتائج الحقيقية سيُتفق عليها في السر. هذا ما جرى منذ لقاء علي ولايتي مستشار الشؤون الخارجية للمرشد آية الله علي خامنئي مع جوديت جيرفيت المولودة في ايران والمستشارة الاقرب الى باراك اوباما قبل أكثر من عام، وفيما بعد في اللقاءات السرية في عُمان بين بوتيت تيلوار الهندي الاصل ومستشار الامن القومي لنائب الرئيس جو بايدن، وكبير مستشاري اوباما لشؤون الشرق الاوسط طوال ولايته الرئاسية الاولى، وكبير الخبراء الاميركيين للشؤون الايرانية، وربما بحضور جيرفيت وغيرهما من الخبراء. اما عن الايرانيين فقد يكون ولايتي قد تابع المهمة خلال ولاية احمدي نجاد وفي عزّ الحملة الانتخابية الرئاسية، كما قد يكون انضم اليه مسؤولون آخرون.امام هذا المشهد يتأكد كم من الممكن ان تكون المواقف والتصريحات مجرد “شبكة دخانية” لإخفاء ما هو اعظم وأهم.
الاتفاق النووي لا يشكل انتصاراً لأحد على أحد. لم تخضع ايران للشروط الاميركية، لكنها لم تحصل على كل ما تريد. من الطبيعي جداً في اي تسوية تتم في مفاوضات دقيقة وحساسة وصعبة ان لا تستجيب نتائجها الى رغبات وطموحات الطرفين. الاهم للطرفين ان المفاوضات القادمة لن تدور تحت “سكين الحرب”. لكنها لن تكون مفتوحة على الوقت. اصبح كل شيء محدوداً ومحدداً تحت سقف زمني يجب على ايران احترامه.
هذا التحول، لن يلغي موازين القوى ولن يخل بها. الولايات المتحدة الاميركية زائد اوروبا هي الاقوى. وهي القادرة على العطاء مثلما هي قوية على المطالب والحصاد. “سهم” العقوبات الاقتصادية أصاب مقتلاً في الجسد الإيراني.
طهران تفاوض واشنطن على اخذ شرعية دور اقليمي فاعل. مهما اخذت لا يمكنها حتى الآن لأكثر من عقد من الزمن، التملص ولا التهرب من القرار الاميركي. ستلعب إيران مهما اصبحت قوية وحاضرة تحت الرقابة الاميركية. ربما اذا استطاعت يوما التحرر اقتصادياً كما الصين، ان تقوى اكثر. ايران فرضت وجودها وحضورها بالتعامل مع نار الأزمات المشتعلة او الكامنة في الشرق الاوسط الكبير دون حساب للكلفة وللخسائر، حتى الايديولوجية منها في وقوفها مع “الظالم” الاسد، ضدّ الشعب السوري”المظلوم”.
لا يمكن لايران المتصالحة مع “الشيطان الاكبر”، ان تحافظ على مساراتها “الثورية”. بعد الاتفاق النهائي، لا بد لايران من اعتماد نهج آخر ومسارات اخرى،خاضعة للمعادلات الجديدة المتشكلة قبل اتفاق جنيف وبعده وهذه تؤكد، ان “جبهة الممانعة” تحولت إلى “جبهة المعاندة” لانه جرى “خلْع انيابها” دون ألم. فقد خسرت:
[ السلاح الكيماوي في سوريا.
[ السلاح النووي كان ممكنا فاصبح احتمالاً تحت رقابة يومية من وكالة الطاقة النووية الدولية.
[ القرار 1701 الذي حول الجنوب اللبناني من ارض مقاومة الى “القطاع 1701” الهادئ بعيدا عن تثبيت معادلة “توازن الرعب”.
اي تحرك لاطراف قوى “الممانعة” خارج هذه المعادلة الجديدة، فاشل. مستقبل الاسد يُرسم خارج سوريا، ومن قوى دولية واقليمية. اما “حزب الله” فإن بيده حتى الآن رسم مستقبله في لبنان جديد بعيداً عن مفاعيل الاستقواء على قاعدة الاعتراف بالآخر ليس بالخطابات وانما في كل شيء.

السابق
تجمع لبنان المدني: لا جدوى من البحث عن شيطان بديل
التالي
أبادي: المقاومة خط أحمر والمفاوضات مع الغرب لن تكون على حساب أحد