لمصلحة من هذا الاهتزاز الأمني المستمر؟

من طرابلس الى بيروت مروراً بالبقاع وصيدا ثمة بؤر توتر وفلتان امني جاهزة وغب الطلب للانفجار بشكل او بآخر.

هذا الاهتزاز الدائم صار منذ اكثر من عام ونصف عام جزءاً لا يتجزأ من المشهد السياسي والأمني العام في البلاد.
ولا شك في ان الأحداث والتوترات التي تتوالد كل ساعة في عدد من احياء عاصمة الشمال، تختزل في طياتها كل مظاهر الاحتراب الأهلي الذي عاش اللبنانيون على مشاهده في سني الحرب الاهلية، فهناك مواجهات محاور مفتوحة، وهناك اطلاق نار وقتل على الهوية، وهناك عمليات اغتيال تتم في الشارع في وضح النهار بواسطة كواتم الصوت، وهناك ايضاً وأيضاً تلويح وتصريح باجتثاث مناطق معينة، وهناك فضلاً عن ذلك ظاهرة فرض الخوات على المحال والمؤسسات وظاهرة التعدي على الاملاك العامة والخاصة وهو مشهد اكثر ما يندّد به احد نواب المدينة سمير الجسر ويعتبره وضعاً “لا يحتمل”.
ولكن السؤال الأهم والأبعد والذي بدأ يفرض نفسه بالحاح هو: من يدفع دوماً في اتجاه التفجيرات المحدودة والواسعة هنا وهناك؟ ومن المستفيد على المدى البعيد من ابقاء التوتر طاغياً والوضع على شفا حفرة من التفجير الواسع؟ واستطراداً اين “حزب الله” واين خصومه من معادلة التوتر الدائمة حيث المسّ بالاستقرار عنوان دائم الحضور؟
لقد سرت بعد عام ونصف عام من احداث الساحة السورية معادلة لبنانية عنوانها العريض الحفاظ على استقرار الساحة اللبنانية كجزء من وظيفة حددت لهذه الساحة لتوفير دعم ناعم لمعارضي النظام في دمشق والساعين بدأب لاسقاطه، وعليه، كما تقول مصادر في قوى 8 آذار، نشأت خلال هذه الحقبة الزمنية “منظومات” دعم امنية محترفة لدعم المعارضة السورية نجحت الى حد بعيد في البقاء خلف الأضواء، ووفرت هذه المنظومات وظيفة ان تكون الساحة اللبنانية ساحة عبور ورفد عبر معابر مرئية ومخفية كانت في حينها فاعلة ومؤثرة إذ شكلت عنصراً من عناصر تعديل موازين القوى لمصلحة اعداء النظام في سوريا. وفيما اكتفى “حزب الله” وحلفاؤه السياسيون بالمراقبة والتحذير من مغبة ما يحصل، انصرفت القوى الأخرى الداخلية المشاركة في تغذية المعارضة السورية الى مهمة اساسية هي توفير شبكة امان وحماية لوظيفتها الرئيسية فنجحت في تعطيل اية اجراءات امنية يراد منها سد المنافذ وقفل الحدود، ونجحت أيضاً في حماية المعارضين السوريين واستقبال اللاجئين، لذا لم يكن يهمها ان تمس معادلة الاستقرار الهش ولم يكن يهمها استطراداً استفزاز “حزب الله” او اشعاره بأي خطر عليه او على مناطقه او على المحسوبين عليه في هذه المنطقة او تلك.
هذه المعادلة ظلت سائدة بشكل او بآخر الى ان قرر الحزب النزول مباشرة في ميدان المواجهات في الساحة السورية المشتعلة الى جانب النظام، والى ان بدأت قوات النظام تستعيد المبادرة وتكبح جماح الاندفاعة المجنونة للمجموعات السورية المسلحة والمعارضة.
وبناء عليه طرأت عناصر جديدة على المشهد اللبناني واتخذ القرار، وفق ما تقول مصادر مقربة من “حزب الله”، بالشروع بمس تدريجي بمعادلة الاستقرار اللبناني ودفع النيران اكثر باتجاه ساحات الحزب.
ولعل التحدي الأكبر كان في تكبير ظاهرة الشيخ احمد الأسير ونقلها من عبرا القصية نسبياً الى الشارع الرئيسي في صيدا والمفضي الى الجنوب معقل الحزب. ثم كانت عمليات التفجير لسيارات الحزب في الطريق الى المصنع وفي طرق بقاعية عدة، وبلغ الأمر حد التلويح بفتح جبهات مواجهة بين الطريق الجديدة والضاحية الجنوبية. ولاحقاً اتى دور السيارات المفخخة في الضاحية الجنوبية الى أن تجسدت ذروة هذا السياق المعد باتقان من عقل امني مخابراتي عارف في التفجيرين الانتحاريين على مدخل السفارة الايرانية في محلة بئر حسن وما انطوى عليه من أبعاد واحتمالات في مقدمها دخول الانتحاريين على الخط مباشرة.
وعليه كان المطلوب ان ترتج ساحات الحزب ومعابره دوماً وان يستشعر سيف خطر التفجير وخطر الفتنة المذهبية التي يخشاها مصلتاً دوماً فوق رأسه.
بمعنى آخر وخلال السنة الماضية صار واضحاً ان المشهد انقلب رأسا على عقب، وسقطت الى غير رجعة معادلة الاستقرار المحمي والمدعوم للساحة اللبنانية، وارتفعت بورصة الدعوة الى المس الدائم بهذا الاستقرار واشغال “حزب الله” وقاعدته اينما كانوا.
واللافت في هذا السياق ان هذا “الاشغال” وصل الى مناطق كان الحزب يحسبها آمنة له وهي المخيمات الفلسطينية في الجنوب وفي برج البراجنة اذ فوجئ الحزب بتسلل خصومه اليها وصيرورتها بين عشية وضحاها مصدر مخاطر عليه لاسيما بعدما صارت مقلعاً للجهاديين والسلفيين في سوريا وصارت مهمة الفصائل الفلسطينية الحليفة للحزب احصاء عدد الخارجين من أزقة المخيمات الى الداخل السوري للمشاركة في الميدان الى جانب المجموعات المعارضة.
ثمة مصادر قريبة من “حزب الله” تقر بأن سيف اللااستقرار والاحداث المتنقلة هو فوق رقبة الجميع بلا استثناء واللعب به ضرباً أو تلويحاً ينطوي على اضرار تصيب اللاعب به والمهول به عليه على حد سواء.
وتتوقف المصادر عينها أمام تحول مدن اساسية بكاملها مثل طرابلس وعرسال وصيدا وسواها، بؤر توتر وقنابل موقوتة للانفجار بمن فيها من جراء سياسة تحويلها “معسكرات” أو عسكرتها تحت قيادة “قادة المحاور” أو زعماء المجموعات، لا سيما انه تناهت الى عِلْم الحزب حال الاستياء العارمة التي تعتمل في نواب طرابلس وفي مقدمهم المحسوبون على تيار “المستقبل” بسبب ممارسات المسلحين بحق أهل المدينة أنفسهم وبحق فاعلياتها (الخوّات) والتعديات على أهل المحيط، كما ان الحزب على تواصل مع شريحة واسعة من أهل صيدا وعرسال والبقاع الاوسط والتي تنقل حجم استيائها من تحويلهم أكياس رمل لسياسات معينة ولو كان ثمن فصم علاقات مع الجوار عمرها عقود وقرون.
وفي كل الاحوال فإن المصادر عينها تبدو على درجة من الاطمئنان بأن ثمة وقائع ومعطيات عنيدة على الارض تحول دون رغبة الدافعين بالتناقضات الحالية الى حد فتح بوابة الاحتراب الاهلي وأبرزها:
– ان موازين القوى الحالية غير مؤاتية لاصحاب الرؤوس الحامية والمغامرين.
– انه رغم ما جرى ثمة حدود داخلية وخارجية تحمي ما تبقى من استقرار هش، خصوصاً بعد تفاهمات جنيف ونيويورك.
– ان الشريحة السنية المعارضة بشدة لأي انزلاق نحو مهاوي التفجير ما زالت هي الأكبر من سواها.
– ان مسار الاوضاع في الميدان السوري والتحول الذي طرأ على هذا الميدان سيكبح جماح المراهنين ويجعلهم يعيدون النظر في حساباتهم.
– ان ثمة تأكيدات من الجهات الفلسطينية الرسمية بأنها ما زالت قادرة على ضبط الاوضاع في مخيمات لبنان وعدم انزلاقها.
وفي مقابل ذلك ثمة من يطلق العنان لتخوفاته من بروز عوامل سلبية ليست في الحسبان كمثل حاجة المعارضة السورية ذات يوم الى حدود البقاع إذا ما نجح النظام السوري في تحرير محيط عاصمته.

السابق
صيدا: ورشة عن المخدرات
التالي
كيف ستُواجه أميركا مَن يَنتقد الإتفاق النووي الإيراني؟