الزواج العرفي بين “الشيطان الأكبر” و”محور الشر”!

… أخيرا وبعد مراحل من مفاوضات عدة وعسيرة استمرت سنوات, ومع وصول حسن روحاني إلى سدة الرئاسة الايرانية, استطاع “الشيطان الاكبر” الاميركي تغيير مزاج رأس “محور الشر” في تليين موقفه لناحية برنامجه النووي والخروج باتفاق سلمي حول البرنامج, ويعد هذا الاتفاق بمثابة انتصار لكلا الطرفين, الاول: اميركياً في تحجيم التخصيب اليورانيوم الايراني إلى 5 في المئة, وحصره ضمن الاغراض السلمية, ووقف البناء في مفاعل “اراك” الجديد, عمليات تفتيش “غير مسبوقة” تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية, والثاني: ايرانيا في انتزاع طهران من مجموعة 5+1 اعترافا لها في احقية امتلاكها لليورانيوم ضمن الاغراض السلمية غير العسكرية, والرفع الجزئي للعقوبات مثل تجارة الذهب, وقطاع السيارات الإيراني, والصادرات البتروكيماوية, والسماح بتحويل نحو 4.2 مليار دولار من مبيعات النفط الإيرانية إلى إيران تمهيدا لفك العزلة نهائيا بعد ستة اشهر, شرط ان تثبت ايران صدقية نواياها لناحية تنفيذ كامل بنود الاتفاق.
في 23 يونيو الماضي نشرت في هذه الصفحة مقالة بعنوان” فوز الإصلاحي روحاني… لولا اختيار المرشد الأعلى له!” قلت فيها “حسن روحاني الاصلاحي الذي اصبح رئيسا للجمهورية تقع على كاهله امور عدة, امنية وسياسية واقتصادية, ولكن تحت سقف ستراتيجية السياسة العامة لنظام المرشد, وهو غير قادر على خرقها إلا إذا سمحت له ظروف سياسية بذلك” نعم وبعقلانية, وبعيدا عن العنتريات للعراضات العسكرية والسياسية, واكراما للمصلحة الايرانية العليا, استطاع الإصلاحي حسن روحاني الرئيس الجديد لجمهورية ايران الاسلامية, الذي لم يمر على انتخابه ستة اشهر, ان يحرز تقدما ديبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا, خلال حراك لمفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة وشركائها في مجموعة 5+1 بشأن البرنامج النووي, بعدما اجبرته الظروف السياسية والاقتصادية جراء ما تعاني منها ايران من ناحية التدهور في عملتها الوطنية والضائقة الاقتصادية التي يمر بها الشعب, مع ارتفاع في معدل البطالة.
نعم استطاع وبمساحة واسعة ان يحدث فجوة كبيرة في الجدار الفولاذي الذي اقامه ساسة ايران المحافظين المتعنتن في السياسة غير البناءة التي أفضت الى عزل ايران عن العالم الخارجي.
نعم لقد سمحت الظروف السياسية والاقتصادية السيئة التي تمر فيها ايران, للرئيس روحاني ان ينتزع موافقة توقيع الاتفاق من المرشد الاعلى للثورة الايرانية الامام علي خامنئي, وحتى بركته, مرغما على ذلك مخافة من اي انتفاضة شعبية تثور في وجهه, وللمحافظة على رأس السلطة كمرشد اعلى, وذلك امام امتعاض الحرس الثوري من مهندس خارطة طريق الاتفاق الرئيس الاصلاحي حسن روحاني, الذي يحلم “اي الحرس الثوري” في اقتناء القنبلة الذرية, الذي من الممكن ان يثير المتاعب والنزاعات داخل السلطة الحاكمة في ايران.
محليا واقليميا تركت تلك المفاوضات, على الساحتين السورية واللبنانية, نوعاً من الترقب, قبل وبعد, التوقيع على الاتفاق, وتحديدا من نظام الممانعة المنافق في سورية, و”حزب الله” المقاومة الاسلامية في سورية, وبعض السياسيين اللبنانيين في “8 أذار” أذناب الحزب والنظام السوري, في انتقالهم جميعا من العداء للشيطان الاكبر بعد توقيع الاتفاقية مع ايران, الى حدة العداء تجاه بعض الدول العربية ضمن افتراءات سياسية واعلامية عدائية غير بناءة, لا سياسيا, ولا اخلاقيا, ولا أدبيا, تجاه السعودية, بعد اتهامها مباشرة, ظلما وعدوانا, تارة بتوتير الاجواء على الساحتين السورية واللبنانية.
هؤلاء الذين كالوا الاتهامات هم الاغبياء الرعاع القطعان عند اسيادهم في طهران, الصم البكم العمي الذين لا يفقهون في السياسة شيئا, سوى الغدر وتبديل المواقف السياسية ونعت الشرفاء بالعمالة.
هل يعلم هؤلاء الاغبياء ان الجمهورية الاسلامية الايرانية ستجلس في المستقبل القريب إلى طاولة التفاوض مع المملكة العربية السعودية تماما كما جلست مع الولايات المتحدة وحلفائها, لتتفق معها على معاهدة صداقة ضمن المصالح الستراتيجية لكلا البلدين, الاول ايرانيا في تقديم الامن والاستقرار لكل الدول العربية, وخصوصا داخل دول “مجلس التعاون” الخليجي, الثانية اي السعودية بالانفتاح الاقتصادي في وجه ايران بسبب حاجة الاخيرة للمملكة العربية السعودية لتمتعها في قوة اقتصادها في العالم الاسلامي? لننتظر المرحلة المقبلة, بعد الزواج العرفي الذي حصل بين الشيطان الاكبر ومحور الشر.
السابق
صفقة إيران.. هل هي قصة نجاح دبلوماسي؟
التالي
السماء تمطر حجارة