هكذا يفكّكون ٨ و١٤…

حين ولد اتفاق الطائف وانتخب نائب زغرتا رينه معوض رئيسا اول للجمهورية في العصر الجديد كان فجر عالمي مختلف يطل على ركام انهيار جدار برلين مثلما شاعت الآمال العريضة حيال الثورات العربية لدى اندلاع موجاتها الاولى. قد لا يكون في احياء ذكرى اغتيال الرئيس معوض بالامس ملامح مختلفة عن السنوات السابقة سوى عامل خطر شديد التعاظم هذه المرة على الوحدة اللبنانية اكثر حتى من الخشية على الاستقلال. وما لم يجر الاعتراف بهذا الخطر فان كل الاستباحات للوحدة الداخلية ستمضي عابثة بما تبقى.
من المسلم به في تاريخ لبنان ان الظروف الخارجية تصنع نهايات الازمات فيه كما ترسم حقبات سلمه وحروبه والطائف وسواه من تسويات هي الدليل الاوثق على هذا الواقع البائس. ومع ذلك مزقت وحدته مرات وعادت الى الترميم والتأهيل بشق النفس. في اللحظة الراهنة قد لا يغدو من المبالغة القول ان لبنان يشارف الخطر الاكبر في تشتيت الحد الادنى من وحدته ومحاولة اعادة فرز واقعه المأزوم على اساس طائفي ومذهبي بما يقوض الجوهرين الاساسيين اي الاستقلال والوحدة سواء بسواء. وما يدفع الى ابراز هذا الخطر الكثير الفائض من عصبية طائفية فوق الفتنة المذهبية التي تجتاح البلد وكأننا امام نفخ مزدوج لتعميم التفتيت في كل نواحي المجتمع السياسي والمدني. لا يحتاج اللبنانيون الى اعادة قراءة جوانب مشينة من تاريخهم اشتعلت فيها حروب وفتن بفعل شرارات سخيفة لا تقاس بما يزحف عليهم اليوم من شحن للعصبيات وامعان في استقطاب الاحقاد. حتى اننا بتنا نخشى ان يكون هناك من يسعى الى تمزيق عامل التشابه الاساسي والوحيد بين فريقي ١٤ آذار و٨ آذار بفعل كون كل منهما جبهة متعددة الطائفة والمذهب. حتى هذه السمة الوحدوية تشارف الان خطر التجربة الخطيرة على مشارف الاستحقاق الرئاسي بما سيضيف عقدة اخرى امام امكان انقاذ النظام من رصاصة الرحمة الاخيرة. اذا كان ثمة من يستهين بالفراغ الرئاسي هذه المرة ويستسهل تمريره وتسويغه قياسا بسقطات دستورية سابقة فقد يكون عليه مراجعة الحسابات المتهورة. والمسألة لن تكون على تماس مباشر بطائفة الرئاسة فحسب بل بما ستطلقه تداعيات الفراغ وتعطيل الانتخاب الرئاسي على مستوى الوحدة اللبنانية عموما.
مقدمات الازمة الرئاسية بدأت تسابق كل الازمات المتراكمة منذ ربط لبنان ربطا جهنميا بالحرب السورية. حين اغتيل رينه معوض جرى تحوير الطائف الدولي الى عصر الوصاية السورية بالكامل. وأشد المفارقات الدراماتيكية بعد ٢٤ عاما على اغتياله ان يجد لبنان نفسه في مهب تداعيات الحرب السورية وغموض التسويات الدولية والاقليمية ولا يملك سوى الاستسلام الاسطوري منتظرا ما يناله من فتات الموائد ان تكارم عليه النافذون.

السابق
السفارة الايرانية تنفي لمحطة (lbc) سقوط أي صاروخ بقربها
التالي
أيّ ديبلوماسيّة غربيّة تجاه حزب الله بعد النــووي؟