كيف يمكن إقناع خصوم إيران بهزيمتها؟

غريب أمر محور الممانعة الذي يصوّر كلّ هزيمة بأنها انتصار. فتسليم الكيماوي انتصار، وتسليم النووي انتصار أيضاً، وعدم الرد على استهداف إسرائيل لمواقع داخل سوريا انتصار أيضاً وأيضاً، وسقوط القصير مقدّمة لأن يحسم النظام، والقلمون على قاب قوسين من السقوط، وهكذا دواليك… ولم يعد من فارق بالنسبة إلى هذا المحور بين التخصيب للأغراض السلمية والتخصيب لإنتاج القنبلة النووية، إذ إنّ المهم هو التخصيب الذي حوّل إيران إلى دولة نووية!!! إنه منطق غريب فعلاً. فمَن يكترث للتخصيب السلمي؟ المهم هنا هو مَنع طهران من الوصول إلى القنبلة الذرية.
ولكن المشكلة فعلياً ليست في محور الممانعة الذي كلّ هدفه استيعاب الصدمات والهزائم ومخاطبة جمهوره، إنما المشكلة الأساسية تكمن في المحور المقابل بقياداته وإعلامه ورأيه العام الذي يتأخر باستمرار في وضع الأمور في نصابها، والأسوأ أنه يتأثر أحياناً بالبروباغندا التي يُتقنها فريق الممانعة، بدلاً من مواجهته بالحقائق الدامغة، ومن أبرزها أنّ كلّ استثماره النووي انتهى إلى الفشل، وأنّ زمن المقايضات وَلّى، وأنّ دوره الإقليمي لن يكون بمنأى عن المحاسبة في حال واصلَ سياساته التدخّلية نفسها، وأن النضال لن يتوقف قبل إرساء الاستقرار في العالم العربي.
فالمواقف الأميركية التي أعقبت الاتفاق لم تكن من خلفية تطمينية أو لتطييب خاطر محور الاعتدال ومسايرته، إنما تنمّ عن حقيقة التوجّه الأميركي الذي تُرجِم بالجولة التي أجراها وزير الخارجية جون كيري إلى المنطقة، وتحديداً الرياض، وقوله: “إنّ هذه المحادثات لن تغيّر من تحالفاتنا وصداقاتنا”، كما باتصال الرئيس الأميركي بالملك السعودي الذي أعرب فيه عن تمَسّكه بالتحالف الاستراتيجي بين الدولتين، فضلاً عن الموقف الصادر عن “البيت الأبيض” بأنّ “الاتفاق مع إيران لا يجعلنا نُغفل أنشطتها بدعم “حزب الله” والرئيس السوري بشار الأسد”.وهذا الموقف بالذات تطابقَ مع البيان الذي أصدره السفير الأميركي في بيروت، والذي تضمّن أربعة عناوين رئيسية:
أولاً، وَقف تقدّم مخطط إيران النووي والوصول إلى حلّ شامِل لهذا الملف.
ثانياً، حماية حلفائنا، وخصوصاً في منطقة كالشرق الأوسط، حيث الأمن أمر دقيق للغاية.
ثالثاً، الاستمرار في مواجهة أنشطة إيران الإرهابية، وأنشطة وكلائها، بما في ذلك “حزب الله”.
رابعاً، التمسّك بـ”إعلان بعبدا” وقرارَي مجلس الأمن 1701 و1559.

وعلى رغم أنّ كل المؤشرات تؤكد أن محور الممانعة انهزم، إذ لا يُعقل أن يكون الغرب قد خضع لإيران لا العكس، إلّا أنّ هذا المحور لم يكتفِ برفض الإقرار بهذه الهزيمة، بل عَمد إلى تعميم نظريّتين للتأكيد على محورية دوره في المرحلة المقبلة:
النظرية الأولى من طبيعة اقتصادية، ومَفادها أنّ الدول الغربية التي ستتهافَت إلى السوق الإيرانية نتيجة حجمها الذي يفوق الـ80 مليون نسمة والعقوبات الطويلة الأمد التي تجعل الناس متعطشة للبضائع الخارجية ستتجاهَل مع الوقت النووي الإيراني، خصوصاً أنّ معظم الدول الغربية تعيش أزمات اقتصادية، وتحديداً الولايات المتحدة التي هي في أمسّ الحاجة إلى هذه السوق.
النظرية الثانية من طبيعة سياسية ومفادها أنّ الإسلام السنّي المعتدل فشلَ في مواجهة التطرّف، والدليل ما حصل بين 11 أيلول 2001 والأزمة السورية، وأن إيران أصبحت تشكّل حاجة لمواجهة هذه الجماعات والتحوّل إلى عامل استقرار في المنطقة من جنوب لبنان إلى الجولان.
ولكن أغرب ما في النظريتين تصوير الغرب وكأنه على شفير الانهيار الاقتصادي لولا هذا الاتفاق، فيما العكس هو الصحيح، حيث أنّ تراجع إيران سَببه اختناقها الاقتصادي. وأمّا النظرية الأخرى فهي مستهلكة وتدخُل في السياق التوظيفي عينه الذي كان يستخدمه النظام السوري لترويج نفسه لدى الغرب مع فارق أنّ النظام السوري يستطيع أن يدّعي العلمانية، فيما يستحيل مواجهة التطرّف السني بالتطرّف الشيعي، فضلاً عن أنّ ارتفاع منسوب الأصوليات السنية مَردّه إلى الدور الإيراني بالذات، وواشنطن تدرك أنّ مواجهة هذا الواقع تبدأ من إيران وتنتهي في فلسطين في ظل عمل ممنهج يرمي الى تفكيك الملفات تباعاً من الكيماوي إلى النووي وصولاً إلى الأزمة السورية وسلاح “حزب الله”.
السابق
أيّ ديبلوماسيّة غربيّة تجاه حزب الله بعد النــووي؟
التالي
أوباما لبّى رغبة إيران وروسيا في الانتصار