لماذا فجّر الانتحاريين نفسيهما؟ بعض من إجابة

انتحاري
انشغل معظم المتابعين بمناقشة الإجابة على سؤال طُرح بعد عملية تفجير السفارة الإيرانية الأسبوع الماضي، وهو: كيف تم ذلك؟ وكيف اكتشفت الأجهزة الأمنية الأمر؟ إلا أن قليلاً من الناس اهتم بالبحث عن إجابة للسؤال: لماذا حصلت هذه العملية؟ ولماذا يفجّر شاب لبناني نفسه؟

جوابا على سؤال: لماذا يفجّر شاب لبناني نفسه؟ يعيد أحد أساتذة علم الاجتماع السبب إلى “التعبئة الطائفية والشحن المذهبي باعتبارهم الأساس المادي لتحضير مثل هذه العملية الانتحارية”.

يرفض هذا الأستاذ نشر اسمه خوفا من تداعيات رأيه في محيطه، كوننا نعيش في أيام خوف مستمرّة. وهو يعتبر أنّ “الانقسام العامودي الذي يشهده المجتمع اللبناني قد ألغى كل الساحات المشتركة بين الناس وجعل كل فريق يتمرس خلف خطابه المذهبي. وأتت العملية العسكرية التي أنهت ظاهرة الأسير مادياً، والتدخل العلني والواضح من جانب حزب الله إلى جانب النظام السوري، وتبعثر عناصر الأسير والاعتقالات التي طالت الكثير منهم، لتؤدّي إلى انغلاق المساحة المتاحة لهذه العناصر للتعبير عن رأيها ورؤيتها للوضع اللبناني”.

هو إذا “القمع”، وإن اتخذ هنا شكل “إنهاء ظاهرة الأسير”. وهي ظاهر مختلف عليها وإن قرّرت قوى 14 آذار التبرّؤ منها. إلا أنّ “جمهور 14 آذار” كان يتعاطف مع “خطاب الأسير”، لئلا نقول معه شخصيا.

يضيف أستاذ علم الإجتماع الصيداوي: “شعرت هذه العناصر باليتم بعد معركة عبرا، وتدخل حزب الله إلى جانب الجيش، وشعر بعضهم بضرورة القيام بشيء ما ضد هذا الواقع الذي يشعرون من خلاله أنهم مهمشون ويواجهون ضغطاً شديداً عليهم، وأتت سلسلة الحوادث التي مر بها لبنان منذ ذلك الوقت إلى تراكم خيبات أملهم وإلى انسداد الأفق أمامهم، فاتخذ بعضهم هذا الخيار، الذي إذا دلّ على شيء فعلى حالة الإحباط واليأس التي وصلوا إليها”.

ويوضح أستاذ علم الاجتماع: “لا يعني هذا الكلام أنه يبرّر فعلهم المجرم، لكنّه من الضروري فهم ما حصل والعمل على منع تكراره. ويرى أنّ هذه العملية “يمكن أن تتكرر إذا لم تأخذ القوى السياسية الفاعلة مبادرة ما لوقف المشاحنات والتخوين الذي يوجهه كل طرف للآخر. فالعلاج الفعلي الدائم هو بتأسيس حالة سياسية تسمح بالاختلاف بين القوى السياسية من دون أن يشعر أحدها أنه مغلوب على أمره، ولا حل أمامه سوى القيام بمثل هذه الأعمال الإجرامية”.

للتذكير فإنّه في الأول من تشرين الثاني 2013 كنت في دورة تدريبية شارك فيها عدد من الشباب الفلسطيني. سألت المشاركين عن العناصر الأساسية التي تشكل هويتهم. فوجئت أن مشاركاً واحداً من الفلسطينيين أشار إلى أن “الهوية الوطنية الفلسطينية هي العنصر الأساس المكوّن” لشخصيته، في حين أنّ معظمهم أشار إلى ا”لدين الإسلامي والمذهب السنّي بصفته المكون الأساسي”.

يبدو، والحال هذه، أنّ المجتمع الفلسطيني في لبنان في طور التلبنن بالمعنى المذهبي. وإذا كانت الهوية تتشكل من عناصر مركبة فإنها تشهد، في ظروف اجتماعية معينة، بروزاً لعنصر على حساب العناصر الأخرى. وإذا كانت القضية الفلسطينية قد تراجع دورها في حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فمن الطبيعي أن يتقدم العامل الأيديولوجي ليتصدر عناصر الهوية.

يزيد أستاذ علم الاجتماع: “ما تطرحه هذه المجموعة الاقصائية ليس ديناً بل أيديولوجياً لتغطية مواقفها السياسية، التي تحاول أن تضفي عليها علامات مقدسة لتشكل الضمانة المستمرة للالتحاق”.

ويستطرد: “ما ينطبق على هذه المجموعة ينطبق على قوى سياسية أساسية في لبنان، يسعى معظمها لإضفاء المقدس على الخطاب السياسي كي يصبح ملزماً للمكوّن المذهبي الخاص به”.

أذكر أيضا أنّه يوم الأحد 24 تشرين الثاني 2013، كنت في زيارة لأحدى البلدات الحدودية، من التي يسكنها لبنانيون يعتنقون المذهب الشيعي. أخبرني أحد الأصدقاء أنّ مواقف العامة في البلدة توجه أصابع الاتهام لأهل مدينة صيدا. واليوم أضاف هؤلاء اسم “الفلسطيني”، موجّهين أصابع الاتهام الى بعض القوى التي تسعى إلى تعميم المواقف، في ميل الى عدم حصر المسؤولية بالأفراد الذين قاموا بالجريمة: “وهذه أقرب الطرق لزيادة الشحن المذهبي وتعميق الانقسام السياسي في البلد”.

لا ينكر أحد مسؤولية الأفراد المنفذين والجهات التي تقف وراءهم ربما تكون محلية أو إقليمية. لكن يبدو أن المسؤولية الأساسية تتحملها القوى السياسية اللبنانية التي، وبمواقفها المعلنة، تغلق كل الأبواب فيما بينها وتتحول إلى عدو أساسي للآخر، وتصير بديهات الوطن مغيبة كما العناصر الأساسية المتعلقة بتطور وجهة نظر. ومعالجة عدم تكرار مثل هذه العمليات الإجرامية تبدأ بفتح أبواب الحوار حول قضايا العيش الواحد حتى لا نصل إلى لحظة تصير مسألة الكيان مسألة للنقاش، ويصح عندها قول فيروز: “أنا من بلد الشبابيك” وكل شباك بلون.

السابق
ندوة “اطر الوقاية في قلب حماية الطفولة” في كلية الصحة باللبنانية
التالي
شكل ولون الرئيس المقبل حسم لناحية شكله الوسطي