قوى أمنية «صديقة» للنساء المعنّفات

العنف

«من قوى الأمن الداخلي إلى نساء لبنان:

نحن عناصر قوى الأمن الداخلي من مختلف القطعات نتوجه إلى كل نساء لبنان لنعلن أننا نعمل جاهدين على تأمين الحماية اللازمة للواتي يتعرضن للعنف الأسري». بهذا الإعلان أطلقت «حملة الـ16 يوماً لمكافحة العنف ضد المرأة»، من قلب المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
ليس عادياً أن تطلق حملة هذا العام من المديرية، وتحت عنوان «ورانا مهمة، إذا مهددي لا تترددي، اتصلي فينا ع 112». تكمن أهمية الحدث، الناتج من مشروع تنفذه منظمة «كفى عنفاً واستغلالاً»، في استهدافه عناصر قوى الأمن الداخلي من ضباط وعناصر. أولئك الذين كانت النساء المعنفات يخشين التوجه إليهم لشكوى. يومها كان معظم عناصر الأمن يقولون لهن: «شو عملت لزوجك حتى ضربك؟»، وفي أحسن الأحوال كانوا يعتبرون أنفسهم غير معنيين بمعاناتهن، على أساس أن ما يحصل هو شأن عائلي. كانت المعنفات يستقبلن في غرف التحقيق العامة وبحضور اكثر من عنصر، وفي غرف غير مجهزة بأي تجهيزات خاصة.
اليوم، تسعى مؤسسة قوى الأمن الداخلي إلى «اعتماد مفهوم الشرطة المجتمعية كأسلوب عمل بالشراكة مع المجتمع المدني بفئاته ومنظماته كلها»، وفق المدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة إبراهيم بصبوص، وفي الإطار عينه يقع المشروع.
وترجمت المديرية التزامها بإخضاع ضباطها وعناصرها إلى التدريب اللازم، وبإصدار مذكرة خدمة بتاريخ 20 ايار الماضي، تضع المعايير الواجب على عناصرها اتباعها لدى استقبالهم أو مصادفتهم ضحية عنف أسري.
ومن روح المذكرة، توجهت المديرية إلى النساء المعنفات، مؤكدة أنهن سيُستقبلن باحترام في غرفة تحقيق لائقة وتؤمن الخصوصية لهن، وسيتم الإصغاء إلى مشاكلهن من دون اللجوء إلى المواعظ والاسقاطات والأحكام المسبقة ومن دون مقاطعة، وسيكون التحقيق سرياً، وسيتم توجيه دورية إلى العنوان الذي يقع فيه العنف إذا دعت الحاجة لذلك، ويوجه العناصر المرأة المعنفة إلى الجهة المختصة في حال رغبت بتقديم شكوى، وسيتم تأمين التسهيلات اللازمة، ووفق الامكانات المتوافرة، لوصولها لتقديم شكواها، في حال عجزت عن ذلك
وجاءت هذه الخطوات نتيجة للمشروع الذي نفذته «كفى» بالشراكة مع المديرية، تحت عنوان «تعزيز دور قوى الأمن الداخلي في مواجهة العنف الأسري». وجاءت الشهادة بأهمية المشروع من إحدى السيدات المعنفات التي روت في فيلم قصير مصور تجربتها مع عناصر مخافر الدرك عندما قصدتهم لتشتكي تعنيف زوجها لها.
قبل عامين من اليوم قصدت هذه السيدة مخفر منطقتها لتدعي على زوجها بتهمة تعنيفها. قال لها عنصر الأمن: «ما خصنا، روحي حصّلي حقك بإيدك». منذ شهرين تعرضت السيدة نفسها للضرب على يد زوجها، ولم تجد سوى المخفر تلجأ إليه. استقبلها عنصر الأمن بكل لباقة وقدم لها فنجاناً من القهوة، «حتى أنه سألني إذا كنت منزعجة من المكيف»، تقول. «شعرت أن هذا الشخص ليس عنصر أمن لبنانياً». استمع إليها واتبع المذكرة التي عممتها المديرية على عناصرها وتنص على «أصول التخاطب والتعاطي من جانب العناصر المعنيين في ما خص شكاوى العنف الأسري».
وانتج المشروع وفق مديرة «كفى» زويا روحانا «بطاقة تعليمية حول العنف الأسري، وأخرى حول مهارات التواصل وتم اعتمادها في معهد قوى الأمن في الوروار، وإعداد دليل تدريب مدربين حول مضمون البطاقتين عينهما، واصدار المديرية مذكرة اصول التخاطب، واصدار النيابة العامة التمييزية تعميماً يقضي بتحويل شكاوى العنف الأسري إلى المفارز القضائية بدل الفصائل والمخافر، وتجهيز المفارز ذاتها (وفي مختلف المناطق اللبنانية) بغرف تحقيق لائقة مع أسرة للكشف الطبي السليم، وتدريب 175 عنصراً من المفارز القضائية وغرف العمليات». وما زالت التدريبات، وفق روحانا، مستمرة حتى تطال جميع عناصر المفارز القضائية.
لكن لماذا المفرزة القضائية وليس المخافر؟
توضح مسؤولة الوحدة القانونية في «كفى» ليلى عواضة لـ«السفير» أن «العناصر في المفارز القضائية يرتدون اللباس المدني، وهناك عناصر نسائية تساهم في شعور المرأة المعنفة بالراحة النفسية، وبالقدرة على الحديث عن خصوصياتها». وصلاحيات المفارز «أوسع، ومدة التحقيق اطول، اي لا يقفل الملف بسرعة، ويأخذ عنصر التحري وقته في التحقيق». وعادة ما تقع المخافر في أحياء، وربما يكون الرجال المعنفون على علاقة بالعناصر بحكم الجيرة، أما المفرزة فتشمل نطاقاً أوسع يعرفون كل عناصر المخفر والمفرزة على نطاق اوسع، ومن الصعب ان تؤثر العلاقات الشخصية على مجريات التحقيق».
وفي تقديمه لإطلاق الحملة، أشار رئيس شعبة العلاقات العامة في المديرية المقدم جوزف مسلم إلى أن هناك 95 في المئة من العنف الاسري يمارس من الرجال على النساء، وأن 25 في المئة من حالات الانتحار لدى النساء تكون بسبب العنف الاسري».
واعتبرت روحانا المشروع الحالي «تطوراً ملموساً يعكس ضرورة مكافحة العنف الأسري بالتعاون مع إحدى الجهات الرسمية المعنية مباشرة بالمشكلة». وذكرت بمعركة أقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري والمستمرة منذ سبع سنوات ولم تصل خواتيمها بعد. وأشارت إلى أن الحملة تبدأ من 25 تشرين الثاني، اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد النساء وتنتهي في 10 كانون الأول في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وذكّر ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي يدعم المشروع، روبرت واتكنز بأن العنف الأسري ظاهرة عالمية حيث تتعرض امرأة من بين كل ثلاث نساء للضرب أو الإكراه على ممارسة الجنس أو الإساءة، وغالباً من قبل شخص تعرفه بما في ذلك زوجها أو أحد أفراد الأسرة. وذكّر بدراسة أجريت في العام 2012 بينت أن 35 في المئة من النساء اللواتي شملتهن الدراسة، يتعرضن للعنف المنزلي، وأن 57 في المئة من بينهن تعرضن للعنف من جانب العائلة أو الأصدقاء أو السلطات، فيما التزمت بقية المعنفات بالصمت.
وشدد السفير الإيطالي في لبنان غيسيبي مورابيتو على أهمية مكافحة العنف ضد النساء لما له من تأثير على الصحة النفسية للمرأة وعلى المجتمع ككل.
ورأى ممثل النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي سمير حمود، القاضي شربل ابو سمرا، أن الطريق ما زالت طويلة، مشيراً إلى بعض المواد القانونية التي تنص على عقوبات ضئيلة من جهة، كما أن شروط تطبيقها تبدو بذاتها مجحفة بحق المعنَف. ومن هذه المواد المادة 498 من قانون العقوبات التي تنص على معاقبة من «طرح أو سيّب ولداً دون السابعة من عمره، بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. وسأل إذا كان الإهمال أو التورط لا يكفيان للعقاب وعما إذا كان الجاني لا يعاقب إذا كان الطفل قد تجاوز الساعة من عمره. ورأى ابو سمرا أن «الأمر يزداد سوءاً مع المادتين 500 و501 عقوبات إذ تعفي الأولى الوالدة من تشديد العقوبة في حال قامت بطرح مولودها صيانة لشرفها، فيما تعاقب الثانية على الترك في حالة الإحتياج بثلاثة اشهر سجنا على الأكثر.
ختاماً، أكد العميد بصبوص، باسم قوى الأمن الداخلي، «استمرار المديرية بهذا المشروع وجعل عناصرها يتمتعون بالكفاءة والخبرة اللازمة للتعاطي مع المشكلات الناشئة عن العنف الأسري بكل اهتمام وموضوعية وشفافية سعياً إلى حماية النساء من العنف وحماية الأسرة والحفاظ على استقرارها الذي يؤدي إلى استقرار المجتمع».
واختتم الحفل بتوزيع شهادات على ضباط قوى الأمن ودروع على الجهات المساهمة في المشروع. وساهمت في التمويل ايضاً السفارة الإيطالية في لبنان، ومنظمة «كفينا تل كفينا» السويدية.
السابق
بعد الاتفاق ايران مشاكسة أم مندمجة؟
التالي
هل يعود برّي بأخبار سارّة عن «سين – ألِف»؟