«المستقبل» يطلق معركة التمديد

يبدو أن فريق 14 آذار يراهن بقوة على التمديد للرئيس ميشال سليمان إذا تعذر تعديل الوقائع المحلية المرتبطة بالازمة السورية خلال الاشهر القليلة المقبلة. لكن ليس كل فريق 14 آذار على لغة واحدة. مسيحيّو هذا الفريق يفضّلون إطلاق معركة تهدف الى تسويق إحدى الشخصيات المحسوبة عليهم. لكن هؤلاء لا يرشحون عملياً إلا أنفسهم. حتى إنه يوجد أكثر من مرشح داخل الفريق نفسه. مثلاً، هل يصدق أحد أن النائبة ستريدا طوق ستعتبر نفسها معنية بالانتخابات إذا كان صعباً تسويق رئيسها سمير جعجع؟ وعجقة المرشحين في هذا الفريق تجعل فريقاً ناخباً مثل تيار «المستقبل» يفضّل المضي بالتمديد لسليمان أو الإتيان بشخصية تحظى بتوافق مع قوى أخرى.
مثلاً، يقع في بال الرئيس فؤاد السنيورة أن يسعى فريق 14 آذار من الآن إلى ترشيح شخصية غير قادرة على مواجهة رئيس الحكومة وتكون مستفزة للعماد ميشال عون أقله. وللمناسبة، يعتقد السنيورة أن الوزير السابق جان عبيد مؤهل لهذا المنصب، وأن الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط يؤيّدانه أيضاً، وأن حزب الله لن يمانع. لكن للسنيورة إضافة على هذا الكلام تتعلق بمناصب أخرى، فهو يطمع بإطاحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من منصبه والإتيان بالوزير السابق جهاد أزعور إلى هذا المنصب. وإن وصول عبيد الى الرئاسة يسهّل إيصال أزعور الى حاكمية المصرف المركزي، أخذاً بالاعتبار أن عبيد هو خال أزعور.
لكن إزاء التطورات المعقدة في سوريا وفي لبنان، لا يبدو أن النقاش حول مرشح مستقل ممكن الآن. ولذلك حاول فريق 14 آذار إغراء الرئيس سليمان بفكرة التمديد إن هو وافق على الاقتراب أكثر من مواقف الأول الرافضة لتدخل حزب الله في سوريا والداعية الى تنظيم سلاح المقاومة بطريقة أخرى. وربما جاءت زيارة سليمان للسعودية في هذا السياق. ويتندّر مطّلعون كيف أن الملك السعودي اكتفى بقول ست كلمات كتعليقات على مداخلات لرئيس الجمهورية، لكنه أصغى الى مداخلة الرئيس سعد الحريري الذي حرص على القول أمام الملك إن «الرئيس سليمان معنا في الموقف من ضرورة إخراج حزب الله من سوريا، وإنه معنا في ضرورة نزع كل السلاح من أيدي اللبنانيين، بما في ذلك سلاح حزب الله».
ويقول المطّلعون إن سليمان قدم مداخلة عن سياسة النأي بالنفس، قاصداً دعم المملكة لوقف بعض الأنشطة القائمة برعايتها من لبنان، فردّ الملك بكلمتين «إن شاء الله». ثم عاد وأفاض في الحديث عن أهمية دور الجيش في حفظ الاستقرار وضرورة دعمه لكي يكون قادراً على مواجهة الآخرين، فرد الملك «ليس ضرورياً». وعندما تحدث سليمان عن حاجة البلاد الآن الى حكومة جديدة، عقّب الملك بـ«ليس الآن».
طبعاً، هناك أشياء كثيرة يمكن تحويلها الى عنصر سخرية. لكن الأكيد أن سليمان عندما دعي الى السعودية في المرة الاولى وتم تأجيل موعده، كان يعرف أنه يُعاقَب لأنه لم يقم بأشياء «واجبة» عليه في حينه، من تشكيل الحكومة سريعاً مع الرئيس المكلف تمام سلام، الى إطلاق مواقف أكثر مباشرة ضد حزب الله، سواء بسبب مشاركته في القتال الى جانب النظام في سوريا أو بسبب أنه طرف معرقل لقيام حكومة جديدة. وعندما أعيد ترتيب الموعد، لم يسأل القصر الملكي رئيس الجمهورية عن الوفد المرافق، لأن الأخير أدرك مسبقاً أن المناسبة ليست لاصطحاب وفد رسمي. لكن الأهم أن القصر الملكي لم يبلغ رئيس الجمهورية ولم يستأذنه لدعوة الحريري الى الجلوس الى جانبه، كأنه هو رئيس الحكومة الفعلي أو أنه الشريك الذي تريده السعودية. ومع أن سليمان لم يجد ما يبرر فيه كيفية تقبّله هذه «الإهانة الملكية»، فهو اكتفى بالخبر الموزّع عن اللقاء، والذي لم يشر الى وجود الحريري، ظناً منه أن في ذلك ما يبيّض صفحته أمام الناس. لكنه لم ينتبه الى أن أحداً لم يكن يتوقع منه سلوكاً مناقضاً.
بعد عودة سليمان من السعودية، لم تظهر علامات الراحة على شركاء «المستقبل» في 14 آذار، واضطر هؤلاء إلى مسايرة سليمان أكثر في حديث عن إعلان بعبدا، لكن المسيحيين من هذا الفريق لا يريدون إنهاء السباق الى الرئاسة مبكراً، وهم يفضلون خوض معركة تظهر أنهم أصحاب حيثية لا يمكن تجاوزها، أو أقله أن يترك لهم أمر تمثيل دور المرشح والناخب أمام الجمهور، لكن واقع حال السعودية لا يسمح لهم بهذا الترف، ولا بهذا القدر من التسلية، وعليهم الآن فقط الانصياع وانتظار القرار. وما يحق لهم اليوم لا يتجاوز حدود المشاركة في أوركسترا الهجوم على حزب الله، وصولاً الى تبرير الإرهاب الانتحاري في لبنان. وإذا ما تعرض مسيحيّو 14 آذار لأي ضغط من قواعدهم الشعبية أو من جانب الكنيسة بشأن ما يجري في سوريا، فليس لهم الحق في مهاجمة قوى المعارضة المسلحة التي تعتدي على المسيحيين في دمشق، وعليهم اتهام النظام، إما بأنه يقف خلف هذه المجموعات أو بأنه يتسبّب بما يتعرض له المسيحيون في سوريا اليوم.
ولما كان الجميع ينتظر تداعيات الأزمة السورية على الموقف السعودي وتداعيات الاتفاق النووي الايراني ـــ الغربي على السعودية أيضاً، فإن رئيس الجمهورية يبقى الطرف الوحيد الذي يأمل استمرار المراوحة في الوقائع، لأن في ذلك ما يبقيه في بعبدا. وعلينا نحن انتظار بقاء الرجل جاثماً على صدورنا لسنوات إضافية… الله يعين!

السابق
هل يعود برّي بأخبار سارّة عن «سين – ألِف»؟
التالي
هل يُفتح ملف لبنان بعد التسوية النووية؟