عزيزتي إيران، عزيزتي الولايات المتحدة… أهلاً بكما من جديد في عالم الديبلوماسية!

أحياناً لا يُقاس النجاح بالضرورة بوجود “رابحين” و”خاسرين”. هذا ما يحدث الآن بالضبط، والفرصة التي نشهدها نادرة جداً، ولذلك ينبغي ألاّ تهدر بتبادل الاتهامات أو محاولة تسجيل نقاط.

لدى إيران قيادة جديدة تتحدّث بلغة يستطيع الجميع فهمها، ولدى الولايات المتحدة قيادة تنشر رسالة إلى العالم مختلفة جداً عن السياق المثير للانقسام والعداء الذي أحدثته العبارة الشهيرة “إما معنا وإما ضدنا”.

توصّلت إيران والغرب إلى اتفاق ينص على وقف إيران عمليات التخصيب النووي وحتى العودة عن جزء منها، وتطبيق أجندة نووية سلمية أكثر شفافية وقابلية للتدقيق إلى حد كبير، بالمقارنة مع ما كانت تتبجّح به القيادة الإيرانية السابقة والتهديدات التي كانت تطلقها. في المقابل، لن يفرض الغرب عقوبات جديدة أشد صرامة على إيران، وسوف يعمد إلى تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية الحالية، بما يُتيح فرصة نادرة لإحياء العلاقات مع إيران المجمَّدة منذ عقود.
أودّ، من جهتي، أن أحتفي بهذا الإنجاز التاريخي على رغم كل التعليقات الصادرة عن أطراف عدّة والتي تعبّر عن الصدمة، وهول المفاجأة، واللوم، والتهديدات.
من يطلقون الانتقادات بأعلى صوت خاب ظنّهم إما لأن أحداً لم يسألهم عن رأيهم في الأصل، وإما لأن آراءهم كانت موضع تجاهل أو لم تؤخَذ في الاعتبار خلال العمل على إبرام الاتفاق في جو من الحذر، لا بل السرّية المطلقة والمستحقّة.

طوال سنوات، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبثاً، تغيير موقف الرئيس أوباما من التعامل مع إيران. جرّب التهديد، والإقناع المنطقي، واستخدم ورقة التهويل والتخويف إنما من دون جدوى (هل تذكرون العرض الطفولي الذي قدّمه أمام الأمم المتحدة مستخدماً صورة قنبلة موقوتة؟) نتنياهو، وليس إسرائيل كلها، مصمّم على قصف إيران لمنعها من تحقيق طموحاتها النووية. وقد أراد من الولايات المتحدة أن تؤازر جهوده، لكن أوباما لم يؤيّد يوماً خططه الدموية.

في حين تتردّد أصداء الكلام الذي وصف فيه نتنياهو الاتفاق مع إيران بـ”الخطأ التاريخي” في مختلف أنحاء إسرائيل والعالم، انضمّت الأسواق المالية الإسرائيلية إلى الأسواق العالمية التي تنفّست الصعداء وبدت عليها أجواء الارتياح والترحيب بالاتفاق، مع التراجع الكبير لأسعار النفط.

أدركت إيران والملالي، في عهد حسن روحاني، أهمية التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية أوباما. هذه هي النقطة التي يجب التركيز عليها. إذا نجح هذا الاتفاق، جل ما ستحتاج إليه إسرائيل هو تغيير القيادة واستبدال نتنياهو المتعنّت والمتشدّد بشخصية ديبلوماسية بكل معنى الكلمة تدرك الوقائع على الأرض وتتحلّى بالمهارات اللازمة لإيجاد الحلول من طريق الديبلوماسية بدل السعي الى مزيد من التصعيد من خلال الخوف والترهيب.

هذه اللحظة التاريخية تضع القيادة والرؤية والالتزام للمستقبل على محك الاختبار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ظهر بصيص أمل جديد في قلب الاضطرابات الشديدة. يجب أن يبدأ الآن العمل الدؤوب كي يبصر هذا الأمل النور وينمو أكثر فأكثر.

السابق
إعتصام للمطالبة بالإفراج عن فريق برنامج تحت طائلة المسؤولية
التالي
حمود: لا موقوفين في حادث الجمارك حتى الآن والتحقيق جار