غموض بنّاء بمعركة تسويق النووي

مع انه يفترض ان يكون الاتفاق النووي بين الدول الغربية وايران متوازياً وآمناً للطرفين في ما يرغب فيه كل منهما، برزت خشية ديبلوماسية في المواقف الاولية وفي اطار مسارعة كل طرف الى تسويق تفسيره للاتفاق وما تضمنه بما يصب في مصلحته ان يكون الاتفاق قام على صيغة ملتسبة تحت عنوان “الغموض البناء” الذي يتيح لكل طرف هامش تفسيره وفق ما يريد بما يتيح امكان تجميده او عرقلته لاحقاً تحت وطأة الاختلاف على تفسيره. ولذلك سارع البيت الابيض الى توزيع نص الاتفاق لكي يضع حداً لاخذ ورد بدا انهما سيلقيان ظلالا قاتمة على الاتفاق الذي تم التوصل اليه وفق ما لفت مراقبون ديبلوماسيون باعتبار ان واشنطن تحدثت عن غياب اي اشارة في النص الى حق ايران في تخصيب اليورارنيوم فيما قالت ايران العكس. في هذا الكباش المحموم، برزت جملة عوامل ساهمت او اريد لها اعطاء الانطباع بخروج ايران بالاتفاق التي تريد اكثر من حصول الدول الغربية على ما ترغب فيه من الاتفاق فعلا. فاذا عدت مسارعة المرشد الايراني علي خامنئي الى الاحتفاء والتهنئة بالاتفاق استباقاً لمحاولات الالتفاف عليه من قوى داخل ايران يمكن ان تساهم في الخربطة، فان مسارعة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى اعتبار الاتفاق مع طهران “خطأ تاريخياً” وهو “اتفاق سيئ وان طهران حصلت على ما تريده” الى جانب اعتبار وزير خارجيته افيغدور ليبرمان ان “اتفاق جنيف هو اكبر انتصار ديبلوماسي لايران” تساعد وفق مصادر ديبلوماسية على اعتبار هذا الاتفاق اكثر من مقبول ومهم بالنسبة الى ايران من جهة وتعطي دفعاً للرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته اللذين يحتاجان الى العودة مرفوعي الرأس ومنتصرين من الاتفاق مع الدول الغربية اياً كان نوع التنازلات التي قدمت في الوقت الذي يساعد الغرب في التشدد اكثر خصوصا في المرحلة المقبلة وفي مراقبة التنفيذ. والحاجة الى تسويق الاتفاق لدى ايران برزت قوية. فالى جانب تقديمه من المسؤولين الايرانيين الكبار وتفسيره بما يتلاءم والشروط التي يرفعها هؤلاء في مقابل تفسيرات اخرى متناقضة قدمها الطرف الاميركي مثلاً، فان اطار الدعم امتد من النظام السوري الذي سارع ليكون اول المرحبين باتفاق “تاريخي”، ما دامت اسرائيل منزعجة منه والدول العربية تتخوف من تبعاته، وكذلك الامر بالنسبة الى العراق وحكومة نوري المالكي التي تدور ايضاً في فلك ايران. كل العوامل لتسجيل ايران انتصارا توافرت في التمهيد للاتفاق والاعلان عنه وفي الايحاء بانه ومن خلال الاقرار بحق ايران في تخصيب اليورانيوم فان ذلك ينطوي على اعتراف بان ايران قوة اقليمية وتأمن لها هذا الاعتراف في المفاوضات مع الدول الخمس الكبرى زائد المانيا.

في المقابل فان ما ساهم في اعطاء دفع لهذا المنحى الى جانب الانتقادات الاسرائيلية هو تعليقات الجمهوريين في مجلس الشيوخ الاميركي الذين وجهوا بدورهم انتقادات قاسية لاداء ادارة الرئيس باراك اوباما في هذا الملف بناء على الخلافات مع هذه الادارة حول جملة ملفات وتأثرا بموقف نتنياهو ايضاً وحرص وزير الخارجية جون كيري على طمأنة اسرائيل الى ان الاتفاق يجعل المنطقة اكثر امناً. كما ان التهليل الديبلوماسي الغربي للاتفاق حرص على وضعه في اطار “خطوة اولى” على الطريق الصحيح باعتباره يستند الى فترة تجربة لستة اشهر تؤدي اما الى اتفاق نهائي شامل في حال نجحت ايران في كسب الثقة او الى العودة الى فرض عقوبات اضافية في حال ظهر ان ايران تحاول كسب مزيد من الوقت. وبمقدار ما حاولت ايران ان تظهر انها حظيت باتفاق جيد يعترف لها بقدرتها النووية فان الدول الكبرى رغبت في ان تظهر انها جمدت سعي ايران الى كسب القدرة على صنع قنبلة نووية.

الا ان هذه الشكليات الاعلامية والسياسية مهمة بمستوى الاتفاق نفسه الذي يؤدي الى تساؤلات لا تقل اهمية على مستوى انعكاساته على المنطقة في الدرجة الاولى ومدى القدرة على ترجمته في جوانب استيعاب ايران. والسؤال المهم ايضاً في هذا المجال يثار في ضوء ما كتبه وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في صجيفة “الشرق الاوسط” الخميس الماضي في اطار تحضيره للاتفاق المرتقب مع الغرب وطمأنة لدول الجوار الايراني من اقرار بما احدثه الملف النووي لبلاده بان “المسألة النووية القت ومن دون دواع كما قال بظلالها بانعدام الامن والازمات على امتداد المنطقة”. فهل ان التوصل الى اتفاق يساهم في تهدئة ايران والمساهمة في تعزيز الامن وتخفيف الازمات؟ والجواب منتظر على جملة مسائل على امتداد المنطقة من لبنان الى سوريا وغالبية دول المنطقة حيث تحاول ايران ان تدفع باجندتها مذكية حربا شيعية سنية خطيرة بدأت تستعر في بلدان عدة.

السابق
قرض لا دبلوماسية!
التالي
قلق بطرابلس من المجاهدين الجدد