استقلال المذاهب: الموارنة 43، السنّة 58 والشيعة اليوم

استقلال المذاهب
بعد استقلال الموارنة عام 1943 ومشروع استقلال السنّة عام 1958 يأتي اليوم مشروع الاستقلال الشيعي، وإذا كان طابع المشروعين السابقين هو تسلّطي وإلحاق الوطن بإقليم دولة كبرى، فإن المشروع الشيعي اليوم لا يختلف عن غيره، فحلم الموارنة بفرنسا "الأم الحنون"، وحلم السنّة بـ"عبد الناصر" ومشروعه الوحدوي، يقابله أيضاً الحلم الشيعي بالالتحاق بإيران "الوليّ الفقيه".

لم تخطئ فرنسا عندما أعلنت استقلال لبنان عن انتدابها له في 22 تشرين ثاني 1943. بل هي على العكس، قامت بإعطائه دستورها البرلماني الذي بات الدستور اللبناني نسخة عنه. وكانت فرنسا خلال فترة انتدابها قد أنشأت الإدارات الحكومية الحديثة والمرافق العامة وبنت المؤسسات ورسخّت حكم القانون. غير أنّ الأخطاء بدأت منذ أن تسلّم الزعماء اللبنانيون إدارة شؤون بلادهم، وقبل جلاء القوات الفرنسية، بعد سنتين من الاستقلال، التفّوا على هذا الدستور الراقي الذي لم تحتمله عقولهم الإقطاعية وثقافتهم الوطنية الضحلة، ولا أطماعهم بالتسلط على طوائفهم ومن ثم على خيرات الوطن، فقاموا بعقد ميثاق بينهم عرف بميثاق عام 1943، رسّخ عرفاً يعدد توزيع المناصب الرئيسية في الدولة بشكل طائفي ومن ثم انتخاب مجلس النواب على المنوال نفسه، بما يضمن أفضلية وسيطرة المسيحيين، وتحديداً الموارنة منهم، على مفاصل السلطة في لبنان.

وبذلك تكون الطائفة المارونية قد استقلّت بالحكم تعاونها الطائفة السنّية وبشهادة طائفة مهمّشة تعدّ الطائفة الثالثة الكبرى وهي الطائفة الشيعية. وقد حاول السنّة أيام حكم جمال عبد الناصر لمصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة  أن يستقلوا بلبنان على طريقتهم ويضمّوه كدولة ثالثة الى جانب سوريا ومصر، فكانت حرب 1958 التي انتهت بمجييء الجنرال فؤاد شهاب رئيساً للبلاد وليعود ميثاق 1943 بعد الموجة الناصرية حاكماً أكثر مما مضى.

وقد كان علينا الانتظار حتى منتصف السبعينات لنشاهد تحقّق أشكال هذا الاستقلال الذي أصاب كل طائفة على حده: المسيحيون في المنطقة الشوفية والقسم الأكبر من جبل لبنان وكسروان، استقلوا بإدارة محلية ودويلة رعاها قائد القوات اللبنانية بشير الجميل، فيما رعا وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي إقامة الإدارة المدنية في الجبل، ليتشارك المسلمون الشيعة والسنّة في دويلتهم على باقي أنحاء الأراضي اللبنانية برعاية فلسطينية ومن ثم سورية، وهي كانت الدويلة الأكبر غير المعلنة، إذ لم تكن بعد الجرثومة المذهبية قد عشعشت في نفوس السنّة والشيعة كما هو واقع الحال اليوم.

بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران ومع حلم قائدها الإمام الخميني بتصديرها إلى العالم الإسلامي، وجد المشروع الاستقلالي الشيعي طريقه إلى لبنان. وما حزب الله اليوم سوى صورة عن تجلّي هذا المشروع الاستقلالي الذي يرعاه الولي الفقيه الإيراني. إذ لم يقتنع حزب الله بعد تحرير الجنوب عام 2000 بمشروع الدولة اللبنانية الجامع، ولم يلقِ سلاحه بعد انتهاء مهمة المقاومة وأصرّ على البقاء مسلّحاً كما كان وأكثر. وهو أعطى لنفسه مشروعية بعد حرب تموز 2006، ليقود البلاد بغضّ النظر عن إرادة أبنائه نحو المحور الإيراني السوري. واليوم وبعد قيام الثورة السورية منذ 3 سنوات، التي تحوّلت إلى حرب أهلية دخل على خطّها الإسلام الجهادي السنّي، أعلن حزب الله، وبقرار مستقلّ عن الدولة، مشاركته في هذه الحرب إلى جانب نظام بشار الأسد ضد هؤلاء “التكفيريين” ضارباً بعرض الحائط “إعلان بعبدا”، الذي رعاه رئيس الجمهورية وحاول أن ينأى بلبنان عن النار السورية.. دون جدوى.

بعد استقلال الموارنة عام 1943 ومشروع استقلال السنّة عام 1958 يأتي اليوم مشروع الاستقلال الشيعي، وإذا كان طابع المشروعين السابقين هو تسلّطي وسعي لإلحاق الوطن بإقليم دولة كبرى، فإن المشروع الشيعي اليوم لا يختلف عن غيره، فحلم الموارنة بفرنسا “الأم الحنون”، وحلم السنّة بـ”عبد الناصر” ومشروعه الوحدوي، يقابله أيضاً الحلم الشيعي بالالتحاق بإيران “الوليّ الفقيه” الذي سوف يمهّد الأرض لحكم الإمام المهدي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

وبينما يحتفل اللبنانيون بعيد استقلالهم اليوم، يلعق الشيعة جرحاً أصابهم بفعل هجوم القاعدة الانتحاري على سفارة إيران في بيروت الذي أسفر عن سقوط عشرات الضحايا من مدنيين وعسكريين ودبلوماسيين، غير أنّ حلمهم بالاستقلال الشيعي على مستوى المنطقة بقيادة أمهم الحنون إيران لن يتوقف حتى ظهور المهدي.

السابق
اسود: لوقف اي تدخل في ملف موقوفي عبرا على حساب أمن سراي جزين
التالي
الأمم المتحدة تعلن 22 كانون الثاني موعداً لمؤتمر جنيف 2 حول سوريا