المكيافيللية في السياسة الإيرانية

بشار الأسد حاكم سوريا وقاتل شعبها ومدمر مدنها يعلن على الملأ، أنه سيسحب الجنسية السورية من كل من اعترض على حكمه وكان سببا في قتل الناس ولطخت يداه بالدم وكان من أسباب تدمير البلاد، وطبعا السؤال البديهي هو: من سيسحب الجنسية السورية «الشريفة» منه بعد اقتنع بأن «سوريا الأسد» هي فعلا بلده ؟!
يساعد هذا النظام المجرم ثلة من حكومات وميليشيات إرهابية تمرست الكذب للدفاع عن طاغية، فها هو حسن نصر الله يسخر حزبه «الديني» و«العقائدي» للدفاع عن نظام «بعثي» و«علماني» تحت ذرائع مضحكة اتضح بطلانها وكذبها، ليكون السبب الوحيد للدفاع عن بشار سببا طائفيا ولا شيء آخر.
وما ينطبق على ميليشيات حزب الله الإرهابية ينطبق أيضا على موقف إيران نفسها من الأسد، فهي تنتحر لأجل الدفاع بكل ما أوتيت من قوة وعتاد ومال للدفاع عن الأسد ونظامه، وعلى الرغم من كل ذلك الإرث فإن هناك من الدول العظمى الكبرى من تعتقد بوجوب الدفاع عن الأسد وإبقائه في منصبه كحامٍ للأقليات من الإرهاب وحارس للحدود الإسرائيلية بامتياز، وذلك بحسب تصريحات الكثير من زعماء إسرائيل نفسها في أكثر من مناسبة وهم يشيدون بـ«أمن» بلادهم، وكذلك بـ«عقلانية» الأسد في علاقته مع إسرائيل طوال السنوات الماضية.
واليوم، تدخل إيران في مباحثات مهمة مع المجتمع الدولي الغربي بخصوص خطورة برنامجها النووي وضرورة تحويله لبرنامج سلمي غير قابل لأن يكون برنامجا منتجا للسلاح النووي أبدا، وذلك بأن يكون برنامجا خاضعا بشكل دائم للمراقبة الدولية.
وهكذا، جرى اختزال «الخطر» الإيراني في برنامجها النووي «فقط»، وهي التي لا تزال عضوا في محور الشر الخطير، ووضعها بحسب الذرائع التي جرى الإعلان عنها وقتها في محور الشر لم يكن فقط لكونها تسعى للتسلح النووي، ولكن لخطورتها وتدخلها في شؤون الدول الأخرى، وهذا الأمر كما أصبح معلوما وقديما لم يعد جديدا، وبات مسألة معروفة، تماما كما جرى اختزال جرائم بشار الأسد بحق شعبه وبلاده في مسألة الخلاص من سلاحه الكيماوي الذي استخدمه لقتل الآلاف من شعبه في أكثر من موقعة واستمر في الحكم من دون عقاب ولا محاسبة، فقط جرى توجيه «العتب واللوم له» والخلاص من سلاحه الكيماوي «فورا» وفي مشهد سياسي ساذج وسطحي وفيه استرخاص واضح للدم السوري وضحك على العالم كله بلا استثناء.
صفقة ما تجري «التهيئة» لها في كواليس السياسة؛ إيران تستعد للتضحية ببرنامجها النووي، ولكن مقابل «تسلم» مناطقها بالكامل.. إنه مشهد مميز من مشاهد البازار السياسي الإيراني، إيران «استغلت» العقوبات التي فرضت عليها لتقوية يدها في الداخل وتطوير الصرف لتطوير آلتها العسكرية، و«باعت» على شعبها أنها «ضحية مؤامرة عالمية عليها»، وبالتالي لا صوت يجب أن يعلو فوق صوت الدفاع عن إيران ضد المؤامرة عليها، وقويت بالتالي نفوذ آيات الله ونظامهم الاستخباراتي والعسكري وزادت قوتهم في العراق وسوريا ولبنان، وطبعا مع الاستمرار في إطلاق الشعارات الجوفاء والهراء المتواصل عن المقاومة والممانعة عن طريق البوق الرسمي لها حسن نصر الله ومعه نظام الأسد، ولكن تبقى الأدلة على الأرض تناقض كل ذلك تماما.
السجاد الإيراني في شرائه وبيعه تكمن فيه تفاصيل هائلة ودقيقة كدرجات اللون وعدد العقد في السنتيمتر الواحد والطول والعرض ونوع الخيوط المستخدمة، ومع ذلك هناك احتمالية هائلة في التزوير والتزييف والغش والخداع مهما كانت القطعة مبهرة ومميزة، وهذا هو «المقلب الذي سيشربه» من يتفق مع إيران اليوم، فهي صنعت من مبدأ «مكيافيللي» مرشدا للثورة التي تحياها، وأن كل شيء له ثمن ومقابل طالما بقي نظامها وبقيت مكامن نفوذها، لأن المشروع الإيراني لا علاقة له لا بالمقاومة ولا بالأمن ولا بالممانعة، هي تهتم بتصدير فكر عنصري ومتطرف مقيت وتعد مهمة تصديره أهم من النفط والفستق والسجاد والكافيار. حقيقة يعيشها كل من تعامل مع إيران لمدة تزيد على ثلاثة عقود الآن، ولا أعتقد أن من يتفق مع إيران اليوم تغيب عنه تلك المسائل!
السابق
الوزراء طلعوا من جنس البشر!
التالي
روحاني لسليمان: ايران لن تتوانى عن أي مسعى لتعزيز العلاقات مع لبنان