الاستقلال: أحلامنا أضيّق من وطن أقل من دولة

السيد علي

في الذكرى السبعين لعيد الاستقلال، يقف اللبنانيون على اطلال الدولة والاستقلال معاً. فالوطن الذي نقصد، الذي هو نحن، ولا احد سوانا نحن اللبنانيين، كما الاستقلال، نقف على اطلاله، عارفين اننا لا يمكن ان نصنع صورتنا الجامعة كشعب او مواطنين.

لعله هذا الانفصام الحاد الذي نعيشه في مجتمعنا،انفصام الانتماء الى الوطن والاستقلال وهذا السلوك الجارف لنسف قيم الانتماء الى الدولة والشعب والجغرافيا.

فقد ظننا انه خلاص عام ان نتجاوز حدوداً جغرافية لطالما نسبناها في المطلق الى مستعمر، الى ما هو اوسع وأرحب، تلك الحدود التي ظلت تصطدم في وعي الكثير منا بحلم الوحدة بين الدول والشعوب العربية. ثم عاد وراود البعض حلم الوحدة على اساس ديني ولم ير طريقاً اليها سوى تقويض الحدود الجغرافية، بعد تقويض اسس المجتمع ونظم الحياة فيه.

حين كان حلم الوحدة العربية مزدهرا، واحلام الخروج على حدود الدولة التي ظننا انها هي القيد لاحلامنا ولتطلعاتنا، ما لبثنا ان اكتشفنا كم هشّمتنا اوهامنا، وكيف ان احلامنا كانت في الواقع اضيق من هذا الوطن واصغر من جغرافيته. اذ كيف لمن يرى شريكه في المواطنية عدواً متلبساً وجه الشريك، ان يبني شراكة فعلية مع آخر في هذا العالم؟ شراكة فعلية لا استتباع او تبعية فيها، شراكة حياة، عيش وانتماء ومساواة وبناء النموذج والحلم.

مساحة الوطن تبدو كبيرة هذه الايام، فهذا اللبنان الذي يكاد بعضنا يرذله بمقولات الخطأ التاريخي او الجغرافي، عاجز ان يقدم لنا نموذجا نقارع فيه اطمئنانا الى فكرة لبنان الوطن.
اي بديل يعدنا به “المنتصرون” العابرون لحدود الوطن ولحدود الدولة؟ ليس الا الانكفاء والانزواء

لبنان اولاً ليس شعاراً او عنواناَ لفريق او حزب او جماعة، بل هو امتحاننا اليومي واختبار لمدى قدرتنا على بناء النموذج الجاذب، في الحياة السياسية، في التنمية في الحداثة، في تثبيت احترام الدستور والقانون، وفي حسن تنظيم اختلافاتنا وعيشنا. هنا الدولة ليست تفصيلاً وبناؤها وتحصينها ليسا خياراً، هو شرط الاجتماع السياسي، وحاجة للانتظام العام والحياة، وهي وحدها مساحة اختبار التنوع وتصارع الافكار وتلاقحها. لذا بناء الدولة والاستقلال شرط انسانيتنا وامتحان وجودي وحضاري في هذا العالم.

قد يبدو الحديث بهذه الطريقة، في يوم الاستقلال، تجاوزا لوقائع ميدانية ومخاطر تدهم كل واحد منا، وتدفعه دفعاً نحو خلاص ذاتي. لكن التاريخ يثبت ان الخلاص الذاتي لن يتحقق للافراد ولا للطوائف والمذاهب خارج خلاص المجتمع. استقلال لبنان بهذا المعنى هو مفتاح وهدف في آن، وانجاز لا يستقيم بغير الشراكة والتعاون والايثار. ولا خيار الا دولة القانون والمؤسسات.

فالاستقلال فعل ايمان وعمل يومي، وصناعة لا تتوقف، بل تستمر كتعبير مستمر عن انبثاق ارادة الشعب الجامعة، ارادة وطنية بالضرورة، لا تشوبها شائبة طائفية او جهوية او عنصرية. على سبيل المثال والنموذج لم تدخل الدول الاوروبية في سياق الوحدة الاوروبية، قبل تحقيق انجاز وحدتها الوطنية، واكتملت الدولة وشروطها الدستورية والقانونية وفي لحظة لم يكن هناك اي التباس حيال الوحدة الداخلية في كل دولة من دول هذا الاتحاد اليوم.

الهروب من تحدي بناء الدولة نحو خيارات خارجية مموهة بعناوين استراتيجية وقومية او دينية، هو تعبير عن العجز. لبنان بتواضع وطن ودولة لم نصل اليهما، لم نستحقهما بعد نحن دون هذه القامة مهما بدت قامات بعضنا عالية، القامات العالية هي في ما تحققه على طريق انجاز الوطن والدولة، انجاز هو التحدي. الاستقلال هو الدولة، لا الدويلات. وسوى ذلك خطيئة تاريخية.

السابق
رئيس المكسيك يكذّب جاستين بيبر ويعرّضه لموقف محرج
التالي
الردّ الايراني في السعودية.. وقد بدأ