«أمن لبنان من أمن إيران»

صادر النظام السوري القرار الوطني اللبناني لأكثر من 15 عاماً بذريعة المعادلة الآتية: “عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسوريا لأمن لبنان. ولبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأيّ قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المَساس بأمنه أو أمن سوريا. وسوريا الحريصة على أمن لبنان لا تسمح بأيّ عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته”.
فما قام به النظام السوري آنذاك انه استخدم هذا النص الموجود في اتفاق الطائف بالشكل الذي يخدم أهدافه ومآربه لإبقاء سيطرته على لبنان من زاوية أنّ الدولة اللبنانية الضعيفة والعاجزة عن ردع أيّ استهداف لأمن لبنان وأمن سوريا تطلب من النظام السوري “الحريص على أمن لبنان” أن يتكفّل بهذه المهمة في نطاق “شعب واحد في دولتين”.
وما كاد لبنان يطوي هذه الصفحة والمعادلة مع الخروج السوري في العام 2005 حتى وضعه “حزب الله” أمام معادلة جديدة تُبقيه تحت الوصاية مع فارق بالشكل فقط لا المضمون، عبر استبدال السوري بالإيراني، أي معادلة “أمن لبنان من أمن سوريا” بمعادلة “أمن لبنان من أمن إيران”.
وبما أنّ لبنان “الضعيف والمشرذم عاجز عن حماية أمنه وأمن إيران، تتكفّل طهران بالمهمة بواسطة “حزب الله”، خصوصاً أنّ الحزب في هذا السياق “مْكَفّى وموَفّى”، حيث “يأخذ على عاتقه مهمة تحرير لبنان والدفاع عنه لأنّ الدولة اللبنانية قاصرة”.

ولعلّ خطورة الموقف الذي أطلقه اللهيان يكمن في الآتي:
أولاً، يأتي هذا الموقف من إيران لا “حزب الله” ليقدم دليلاً إضافياً على محورية دور لبنان بالنسبة إلى طهران، وأنّ الورقة اللبنانية ممسوكة مباشرة من إيران، وأنّ “حزب الله” مجرد منفّذ للسياسة الإيرانية في لبنان.
ثانياً، يربط هذا الموقف لبنان بالسياسة الإيرانية على غرار ربطه سابقاً بالسياسة السورية، وقد يطالب “حزب الله” لاحقاً بتضمين هذه المعادلة في أيّ بيان وزاري.
ثالثاً، يجعل هذا الموقف لبنان في قلب محور الممانعة، ما يتناقض مع دور لبنان التاريخي الذي قام على مبدأ “لا شرق ولا غرب”، كما يتعارض مع “إعلان بعبدا” الذي أعاد الاعتبار لمبدأ التحييد، ويضعه في مواجهة مع أخصام إيران في المنطقة والعالم.
رابعاً، يشكّل هذا الموقف تطوراً في الاستراتيجية الإيرانية مِن ترك أمر لبنان للحزب إلى جعله في صُلب أولوياتها واهتماماتها.
خامساً، يبرز هذا الموقف مدى حاجة طهران لتظهير امتلاكها للورقة اللبنانية في خضمّ محادثاتها مع الغرب، في إشارة واضحة إلى دورها الإقليمي وتأكيد هذا الدور برَفض أيّ مقايضة حوله.
سادساً، يجعل لبنان تابعاً لإيران وملحقاً بها، واستطراداً يجعل إيران وصيّة على لبنان، بدليل قَول اللهيان: “لن نسمح بأيّ شكل من الأشكال للقوى الإرهابية التكفيرية المتطرفة المُسَيّرة من الكيان الصهيوني أن تمدّ يدها الإجرامية وتعبث مرة أخرى بأمن ومقدرات كلّ الدول الصديقة والحليفة معنا، وفي طليعتها لبنان”.
وبالتالي، أخطر ما في هذا الموقف أنه يُلزم لبنان الرسمي بالسياسة الإيرانية، إذ إنه يتحدث من موقع الدفاع عن لبنان الحليف، وكأنّ لبنان استُهدِف كونه حليفاً لإيران، فيما استهدافه جاء نتيجة السياسة الإيرانية التدخلية بالشأن السوري، وبفِعل إقحام طهران لـ”حزب الله” في القتال داخل سوريا، فيما كلّ ما يريده لبنان من إيران أن ترفع يدها عنه وتوقِف دعمها التسليحي للحزب، وتطلب منه أن يسلّم سلاحه للدولة وأن ينخرط في المشروع اللبناني.
لقد جَرّت معادلة “أمن لبنان من أمن سوريا” الويلات على لبنان ولا تزال، وإعادة تطوير هذه المعادلة بصيغة جديدة من قبيل “أمن لبنان من أمن إيران” يعني أنّ هناك إصراراً على مواصلة استخدام لبنان لمآرب لا علاقة للبنانيين بها، وقد استجلبت الإدارة الإيرانية للبنان منذ العام 2005 إلى اليوم حربين تدميريّتين: الأولى في حرب تموز 2006، والثانية مع دخول “حزب الله” إلى سوريا بطلب إيراني، هذه الحرب التي فتحت “باب جهنم” على البلد مع عودة التفجيرات الإرهابية وآخرها الانتحارية التي كان الحزب أوّل مَن افتتحها في لبنان في العام 1983.
ويبقى أنّ أمن لبنان هو من أمن الدولة اللبنانية وحدها، لا من أمن سوريا ولا إيران ولا غيرهما.

السابق
سبعون عاماً
التالي
الدم الذي يستسقي الدم