بحاجة إلى وطن… ليستقل

وفيق هواري
يحتفل لبنان في 22 تشرين الثاني بالعيد السبعين لاستقلاله الوطني، فهل يشعر اللبنانيون بالاستقلال، أو بالأحرى هل يشعرون بالوطن والانتماء إليه؟

يحتفل لبنان الرسمي يوم الجمعة 22 ت2 بعيد الاستقلال، في حين ينظر البعض إلى تاريخ 25 أيار بصفته يوم الاستقلال الفعلي، الذي يصادف ذكرى تحرير الجنوب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000. وفي الحين نفسه يرى البعض الآخر في تاريخ 26 نيسان يوم الاستقلال وهو يوم انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005. على اعتبار أنه يومها خلا لبنان من أي جيش “غريب”، بحسب تعبير هذا البعض. لكن السؤال: هل نحن بحاجة للاحتفال بيوم الاستقلال؟

لم يكن إعلان قيام لبنان الكبير عام 1920 نتاج حركة جماهيرية لبنانية موحدة، بل أتى في سياق تقاسم بريطانيا وفرنسا لتركة الأمبراطورية العثمانية المنهارة، وبعد هزيمة المشروع العربي الموحد في ميسلون 1920. وتحقيقاً لحلم تيار ماروني طالب فيه ليكون مشروعاً قومياً حضارياً مميزاً عن محيطه العربي. فأتى لبنان الكبير مبنياً على تجزئة وانقسام داخليين بين، أكثرية إسلامية تعتبر نفسها سورية في الانتماء الوطني وعربية في الانتماء القومي، مطلبها الوحدة السورية ضمن دولة عربية موحدة، وبين أكثرية مسيحية تنظر إلى نفسها كلبنانية غير عربية، يشكل الانتداب الفرنسي الضامن الأساسي لوجودها. نشأ لبنان بين مكونين لم تصل العلاقة بينهما إلى مستوى تأسيس دولة موحدة، واستمرت الغلبة لعناصر الفرقة والانقسام بينهما حتى في زمن الانتداب الفرنسي (انقسامهما حول الاتفاقية الفرنسية السورية عام 1936 وحول المعاهدة اللبنانية الفرنسية).

والحصول على الاستقلال عام 1943 لم يكن نتاج حركة نضالية تطالب بفك الحجز عن تطور مجتمعها وتطوير نظام المشاركة السياسية، بقدر ما كان تسوية أطلق عليها اسم الميثاق الوطني الذي أرسى نظام هيمنة مارونية سياسية مع شراكة صغيرة للسنّية السياسية. وذلك عبر شعارات تشكل غطاء للهيمنة، والقائمة على ألا يكون لبنان للغرب ممراً ولا مستقراً من جهة، وأن يكون ذو وجه عربي من جهة أخرى.

هذه التسوية لم تصمد أمام النزاع على الهيمنة داخلياً وأمام التطورات الإقليمية خارجياً فاندلع النزاع مجدداً بعد إعلان مشروع إينرنهاور إقليمياً وتأييد شمعون له وبين نتائج انتخابات 1957 وإسقاط معظم المعارضين لشمعون آنذاك. وانتهى النزاع بتسوية شعارها لا غالب ولا مغلوب بضمانة مصرية – أميركية.

وبعد هزيمة 1667 انقلب طرف داخلي على التسوية وحاول العودة إلى الوراء من جهة (الحلف الثلاثي) واستقوى بالمقاومة الفلسطينية طرف آخر (الإسلام السياسي واليسار) من جهة أخرى، واندلعت الحرب، وخلال هذه المرحلة لم يقتصر النزاع بين الطوائف بل انتقل إلى داخلها أيضاً.

وفي عام 1982 انقسم اللبنانيون أيضاً حول الاحتلال الإسرائيلي وبعده حول الوجود السوري وتداعياته. في اتفاق الطائف، غلبة إسلامية سياسية على المسيحية السياسية. وبعد 2005 الانقسام على أشده والبلد يتحول إلى كانتونات غير معلنة. والشعب يرتد إلى الوراء ليعود جماعات مذهبية منغلقة على نفسها، لكل منها ثقافتها وأبطالها وأساطيرها وأحلامها. لكل منها خطتها السياسية التي لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشركاء في هذه الساحة المسماة لبنان، كل منها ينظر إلى نفسه أنه المركز وعلى الآخرين الالتحاق به، كل منها يزداد استقواء بالخارج عله يسعفه على منافسيه الداخليين، المسلمات الوطنية صارت وجهات نظر.

والاستقلال الوطني صار حلماً والوطن مشروع معلّق.

السابق
حزام ناسف في بيروت؟ ولكن أين الخطة اﻷمنية؟
التالي
القاعدة لا تمثل سنة لبنان