الجمهورية: التفجير يتجاوز الخطوط الحمر ومعلومات جديدة

كتبت “الجمهورية ” تقول : تفجيرا السفارة الإيرانية أدخلا لبنان في مرحلة أمنية جديدة يصعب معها التكهّن بطبيعتها ومآلها، خصوصاً لجهة الهدف التالي لـ”القاعدة” إذا وُجد، والردّ على الردّ إذا تقرّر، ولكنّ الملاحظ أنّ المجهول الذي دخل فيه لبنان ترافق مع تأزّم على مستويين: عسكري في القلمون، وديبلوماسي ربطاً بالبرنامج النووي، حيث تبدّدت جزئياً المناخات الإيجابية التي رافقت الجولة السابقة، وذلك مع انتهاء الاجتماع بين الدول الكبرى وإيران أمس بعد بضع دقائق من افتتاحه، في ظلّ الكلام عن لقاءات ثنائية لاحقة، ومواقف تعكس الواقع الجديد، من طهران التي تحدّثت عن “فقدان للثقة”، إلى واشنطن التي أكّدت على لسان وزير خارجيتها جون كيري “أنّها لن تقبل اتفاقاً مع إيران يتيح لها كسب وقت”، وباريس التي حضّ رئيسها فرنسوا هولاند طهران “على تقديم ردود لا استفزازات”، فيما كانت أعلنت فرنسا أنّ “المواقف الأخيرة للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من شأنها تعقيد المفاوضات”، وذلك ردّاً على قول خامنئي إنّ “إسرائيل مصيرها الزوال”.
تواصلت المواقف الدولية المستنكرة والمدينة للانفجار. فاعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أنّ “الذين يظنّون أنّه يمكنهم من خلال الاغتيال والإرهاب وإثارة الرعب والعنف، أن يحقّقوا أهدافهم، فهم مخطئون، وهم يرتكبون الخطأ هذه المرّة أيضا”، ودانت المملكة العربية السعودية بشدّة “التفجيرات الإرهابية الجبانة التي شهدتها بيروت أمس الأوّل”.
وجدّدت التأكيد على “موقفها بإدانة الإرهاب بكلّ أشكاله وصورِه وأيّاً كان مصدره أو الدوافع المؤدّية إليه”. وقال وزير الخارجية الأميركية جون كيري: “قد يكون لنا إختلافات مهمّة مع إيران نعمل جاهدين على حلّها، ولكن ليس هناك أيّ شيء يبرّر تفجير أيّ شخص أينما كان”، فيما أكّد مساعد وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان الذي جال على المسؤولين اللبنانيّين وتقبّل التعازي بضحايا التفجيرين في السفارة، “أنّ أمن إيران من أمن لبنان”.

الانتحاريّ الأوّل
وفي المعلومات الامنية الجديدة حول طريقة حصول التفجير تبيّن انّ الانتحاريّ الاوّل لم يكن على درّاجة نارية وإنّما أوصلته سيارة الى مكان قريب من مبنى السفارة، وتوجّه الى مدخلها الرئيسي مُترجّلاً وفجّر نفسه عند بوّابة الحديد لكي تتحطّم ليسهل دخول الإنتحاري الآخر في السيارة المفخّخة الرباعية الدفع.
في هذه الأثناء، كان سائق السيارة المفخّخة يحاول إيقاف سيارته امام مكتب خبير الأعشاب زين الأتات في المنطقة، لكنّه صدم سيارتين، فتنبّه له الشرطيّ هيثم أيوب وشخصٌ من آل غصن فطارداه.
وفي هذه الأثناء دوّى الانفجار الاوّل ففوجئ السائق بشاحنة توزيع للمياه تقفل الطريق امامه قرب مدخل السفارة، بعدما كان صاحبها ترجّل منها إثر الإنفجار الأوّل، فحاول سائق السيارة المفخّخة صدمها بهدف إزاحتها من طريقه، لكنّه لم يفلح، فتراجع الى الخلف محاولاً الإلتفاف للنفاد الى مبنى السفارة. لكنّ الشرطي ايوب سارع الى فتح باب السيارة للقبض عليه، فما كان من الانتحاريّ إلّا أن فجّر السيارة فقضيَا معاً.
وقالت مصادر واسعة الاطّلاع إنّ كلّ عملية التفجير مصوّرة بدقّة وموثّقة في كاميرات السفارة وكاميرات أخرى منتشرة في محيطها، وهي تظهر بوضوح السيارتين اللتين استُخدمتا في التفجير، ووجهي الإنتحاريين.
وعلمت “الجمهورية” أنّ فريقاً من المحقّقين الإيرانيين وصل الى بيروت للمشاركة في التحقيقات التي تجريها الاجهزة الامنية اللبنانية، وستوضع في تصرّف المحقّقين على الفور المعلومات التي توافرت عن عملية التفجير.

الأفلام بعهدة المخابرات
وأفادت مصادر رفيعة مطّلعة على التحقيقات في تفجيري الجناح “الجمهورية” أنّ السفارة الإيرانية في بيروت سلّمت الى مخابرات الجيش بعض أفلام كاميرات المراقبة التي تستخدمها، وقد باشرت المخابرات تفريغها عصر أمس بغية التعرّف على ما التقطته عن الإنفجارين، خصوصاً لجهة هوية الإنتحاريّين. وأضافت المصادر أنّ المدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمّود ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر كانا عقدا اجتماعاً لمتابعة التطوّرات المتعلّقة بالتحقيق، وقد وجّها على الأثر كتاباً الى السفارة الإيرانية لتسليم الأفلام.
ولفتت المصادر الى أنّ المسح الميداني أدّى إلى العثور على لوحة سيّارة يُشتبه بأنّها للسيارة التي استُخدمت في التفجير، وإذ أوضحت بأنّ هويّة الإنتحاريين لا تزال مجهولة، كشفت عن وجود خمسة مفقودين في الإنفجار، وكمّية كبيرة من الأشلاء، في وقت لا تزال التحرّيات مستمرّة لمعرفة الجهة التي تقف وراء العملية ومنفّذيها.
بدورها، كشفت مراجع قضائية وأمنية أنّ الشرطة العسكرية في الجيش تسلّمت من الجانب الإيراني بعض الأفلام التي وثّقت التفجيرين بغية إخضاعها للتدقيق، لكشف المزيد من التفاصيل التي يمكن ان توفّر الرواية الأدقّ والأصحّ لما حصل.
ولفتت الى انّ العملية تستغرق وقتاً طويلاً للتثبُّت من أهمّية الإفلام، علماً أنّ بعضها لم يسلّم بعد الى التحقيق، للوقوف على محتوياتها من الجهات التي تحيط بالعملية كافّة.
وعلمت “الجمهورية” أنّ القوى الأمنية ومسؤولي التحقيق طالبوا بأفلام تتّصل بالمنطقة لأيّام سبقت العملية، لإجراء المقارنة الضرورية بين حركة الإنتحاريّين وحركة العابرين في المنطقة قبل ايام، للتثبّت من إحتمال ان يكونا قد قاما باستشكاف للمنطقة قبل تنفيذ عمليتهما.
وأمس، عبّرت مراجع قضائية وأمنية عن ملاحظات سلبية تتّصل بتوفير بعض الأفلام التي بثّتها بعض الفضائيات قبل الحصول عليها من جانب القوى الأمنية، وهو أمر يوحي بالكثير من المخاطر، باعتبار أنّ بعض المتورّطين في العملية قد يستفيدون من هذه الأفلام ومحتواها فيتخفّون بطرق ووسائل عدة، وهو أمر يُعتبر من الأخطاء الفاضحة لجهة سلامة التعاطي مع مسرح الجريمة.
وفي الحصيلة النهائية لاستهداف السفارة الإيرانية، قالت مصادر قضائية وأمنية وطبّية إنّ عدد القتلى استقرّ على 25 قتيلاً، وبقي هناك خمسة مفقودين من بينهم العريف هيثم أيوب من مفرزة سير الضاحية الجنوبية، الذي كان مكلّفاً إدارة حركة المرور أمام مبنى وزارة الزراعة الذي لا يبعد كثيراً عن مكان التفجير.
كما أنّ هناك عيّنات من المتفجّرات جرى جمعها من مكان الإنفجار بعدما رُفعت من موقعين مختلفين، الأولى من مكان مقتل الإنتحاري الأوّل، والأخرى من محيط الثاني، بغية التثبّت من نوعيتها بعد إخضاعها لفحوصات مخبرية في لبنان والخارج.
ولفتت المصادر الى احتمال العودة الى جهات دولية عند التثبّت من نوع المتفجّرات المستخدمة، للتحقّق من الدولة المصنّعة لهذه المتفجّرات، ومَن هي الجهات أو الجماعات الإرهابية التي بإمكانها الحصول عليها، من خلال المعلومات الموجودة في “محفظته الجرمية” التي تحوي على معلومات دقيقة حول الجهات الشرعية وغير الشرعية التي تمتلكها.

مجلس الدفاع
واطّلع المجلس الأعلى للدفاع، الذي انعقد في بعبدا أمس برئاسة رئيس الجمهورية، على الاوضاع الامنية والمعلومات المتوفّرة عن المتفجّرتين. وقالت مصادر وزارية وأمنية شاركت في الاجتماع إنّ المجتمعين استعرضوا التقارير الأوّلية عن تفجير السفارة الإيرانية، بانتظار المزيد من التحقيقات الجارية وما يمكن ان تكشفه الكاميرات في المنطقة متى تمّ الإطلاع على محتواها كافة.

بري
وعلمت “الجمهورية” أنَّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي سيزور طهران بعد عيد الاستقلال، تلبيةً لدعوة نظيره الإيراني علي لاريجاني، لإجراء مُحادثات مع المسؤولين الإيرانيّين الكبار، تتناول الأوضاع في لبنان والمنطقة، في ضوء التفجير الذي تعرّضت له السفارة الإيرانيَّة، وتطوُّرات الأزمة السوريَّة والمُفاوضات الجارية لتسوية الملفّ النووي الإيراني.
وقال مصدر واسع الاطّلاع لـ”الجمهورية” إنَّ “استهداف السفارة الإيرانيَّة سيُعجِّل في إنشاء تحالف أمني عالمي، وتعاون أمني كبير بين أهمّ الجهات والمُنظّمات والمؤسّسات العالميّة المُهتمّة بهذا النوع من الأعمال الإرهابيّة”.
وأشار إلى “التقاطُع الحاصل بين الولايات المُتّحدة الأميركيّة وروسيا والاتّحاد الأوروبّي والصين على إدانة هذا التفجير الإرهابي، إلى درجة أنّ الاتّحاد الأوروبّي أوفَد سفيرته أنجلينا إيخهورست أمس الأوَّل إلى موقع الانفجار لتفقُّده ورفع تقرير بمُشاهداتها ومعلوماتها إلى الاتّحاد ليبني على الشيء مُقتضاه، فضلاً عن تبرُّع السفير البريطاني طوم فليتشر بالدم، فيما اتّصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالرئيس الإيراني مُستنكراً التفجير، وهو الاتّصال الأوَّل على هذا المستوى منذ عشر سنوات”.
وقال المصدر إنَّ المواقف الدوليّة باتت حذرة جدّاً إزاء الوضع اللبناني، بعدما كانت تُحذِّر طوال الفترة السابقة من وقوع لبنان في المحظور بسبب تسرُّب الأزمة السوريّة إليه، ولكنّ هذا المحظور وقع نتيجة هذا التفجير الذي وضع لبنان في قلب العاصفة لأنّه يُشكِّل انتهاكاً للخطوط الحُمر الدوليّة التي كانت مرسومة حول لبنان، فارضةً الحفاظ على الحَدّ الأدنى من استقراره”.
ولفت المصدر إلى أنّ “جميع الأطراف الدوليّين والمحلّيين يواجهون حاليّاً السؤال: هل هناك إمكانيّة لإعادة الوضع اللبناني إلى دائرة السيطرة، أم أنّ هذه السيطرة فُقدت؟”. وأكّد أنّ “التحرُّكات والاتّصالات الجارية هي التي ستُحدِّد الجواب على هذا السؤال في الأيّام المُقبلة”.
وتوقّف المصدر باهتمام عند بيانات الاستنكار الصادرة عن كُلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس المُكلّف تأليف الحكومة تمّام سلام والرئيسَين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، فأشار إلى أنّ “هذه البيانات جاءت خلوّاً من أيّ تسمية للسفارة الإيرانيّة، باستثناء بيان ميقاتي الذي لفت إلى أنّ الانفجار وقعَ قرب السفارة”، علماً أنّ بيان المصدر السعودي المسؤول الذي صدر أمس لم يُسمِّ أيضاً السفارة، مُكتفياً بإدانة “الأعمال الإرهابيّة الجبانة”.

الساحلي
وفي المواقف، قال عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب نوّار الساحلي لـ”الجمهورية” إنّ الإرهاب في النتيجة لا يرحم أحداً ولا يميّز بين سفارة وأخرى، وبالتالي أيّ سفارة قد تكون معرّضة للخطر، والإرهاب الذي ضرب السفارة الايرانية يمكن ان يضرب أيّ سفارة اخرى، لأنّ من يريد إدخال الفتنة الى لبنان قد يفعل أيّ شيء لتحقيق هدفه، قد يضرب في ايّ مكان.
لذلك نعتبر انّ ايّ شهيد يسقط في ايّ مكان هو شهيد لبنان، وفي النتيجة الخطر محدق في كلّ مكان، والحيطة والحذر في كلّ مكان، في كلّ سفارة ومركز رسميّ ومركز تجمّع.
وإذ أكّد الساحلي أنّ التطوّر الدراماتيكي الخطير المتمثّل بإدخال العنصر الإنتحاري لا يمكن محاربته بالطريقة الأمنية ولا بالتدابير الاحترازية، شدّد على انّ محاربة هذا الخطر تكون بالوحدة الوطنية وترك الخلافات خارج لبنان، وبأن نكون يداً واحدة وسدّاً منيعاً ضد هذا الإرهاب الذي يخفّ عندما يشعر أن لا بيئة حاضنة له، ولكن يا للأسف، بعض التعليقات تستغلّ الدماء على الارض لتتحدّث عن مواضيع لا علاقة لها بما حصل، وهذا أمر خطير، فالدماء هي دماء جميع اللبنانيين ومن أصِيب واستشهد خلال مروره صدفة قرب مكان التفجير لم يُصَب أو يستشهد لأنّه من فريق 14 أو من فريق 8 آذار.

السابق
الأخبار: إدانة سعودية ملتبسة للتفجيرين و14 آذار تبررهما
التالي
البناء: الدفاع الأعلى ينوب عن مجلس الوزراء والبلاد تحتاج إلى قرارات حاسمة