دمشق بدأت معركة القلمون للقضاء على حبل السرّة اللبناني!

ما زال كثر من الذين يدرجون أنفسهم في خانة العارفين بمسار الميدان في سوريا عند رأيهم بأن معركة القلمون ليست بالضرورة قد بدأت لتحسم بشكل تستعيد معه القوات السورية خلال مدة زمنية معينة السيطرة على هذه البقعة الجغرافية التي هي احدى بوابات العاصمة دمشق من جهة والواقعة على تخوم لبنان من جهة اخرى.

ففي رأي هؤلاء ان المعركة هناك ليست بالسهولة التي تجعل النظام السوري يدفع بقوة اساسية كبرى ليحسم المعركة في حيز جغرافي جبلي ذي تضاريس معقدة، يضم نحو 20 بلدة هي اقرب الى المدن منها الى القرى والدساكر، وبين جنباتها ينتشر بحسب بعض الروايات أكثر من 20 الف عنصر من مقاتلي المجموعات المسلحة التي في غالبيتها ممن فروا من معركة القصير والغوطتين وحمص، فضلاً عن قسم آخر أتى في الآونة الأخيرة من جهة الأردن.
ومع ذلك فإن أصحاب هذه الرؤية العسكرية المتحفظة لا يسقطون من حساباتهم الاستراتيجية والتكتيكية على حد سواء فرضيات أخرى ابرزها ما له علاقة بحسابات القيادة السورية حيال ما له صلة بما تسميه هذه القيادة “الخاصرة الرخوة” من جهة لبنان والتي حزّت عميقاً طوال الفترة الماضية في الجسد السوري.
وعليه فإن هؤلاء يكادون يجزمون بأن العقل العسكري للنظام السوري قد بدأ فعلاً معركة القلمون بشقها اللبناني، الرامي في أقصى الاحتمالات والحسابات الى قطع “حبل السرة” الذي رفد المعارضة السورية بمدد لوجستي كبير خلال العامين المنصرمين وذلك انسجاماً وتماهياً مع خطة شرع بها هذا العقل قبل نحو ثلاثة اشهر بالتحديد عنوانها العريض سد الأبواب والحدود المفتوحة التي مدّت المجموعات السورية المسلحة بهذا الكم الضخم من المقاتلين والسلاح والاعتدة سواء من جهات تركيا والاردن والعراق والآن لبنان.
تقديرات القيادة العسكرية السورية باتت تقوم على معطيات تفيد بأن انقرة بدأت فعلاً بمحاصرة جبهة “داعش” و”النصرة” والتضييق على عبورها من الاراضي التركية. أما بالنسبة الى المعابر عبر الحدود الاردنية، فإن النظام في سوريا أبرم ضمنياً اتفاقاً مع الأجهزة الأمنية الاردنية للتعويض عن عدم قدرة الاردن على ضبط حدوده وذلك بتزويد الأجهزة الأمنية السورية معلومات عن تحركات المعارضين وقد ظهرت نتائجها في “ابادة” اكثر من 20 مجموعة معارضة كانت خرجت لتوها من الاراضي الاردنية، فيما بات النظام يعتبر ان امساكه شبه الكامل بالغوطة الغربية، وبداية معركته لتطهير درعا معناه ان الخطر الآتي من جهات الاردن أوشكت مفاعيله على الانتهاء.
وعليه فان النظام السوري بات يعتبر ان المطلوب الآن لكي تكتمل حلقة الاقفال سد الأخطار الآتية من جهة لبنان، وبالتحديد من البقاع اللبناني.
لذا فان الكلام القائل ان النظام السوري قد بدأ معركة القلمون وليس بالضرورة ان يكون هدفه حسمها سريعاً، بل ان له اهدافاً ومآرب ميدانية اخرى تتصل بالجانب اللبناني من الحدود مستغلاً بطبيعة الحال حال التضعضع والفوضى التي باتت تظلل “الجبهات” المعارضة خصوصاً بعد الانجازات الاخيرة المشهودة لقوات النظام على طول الاراضي السورية وبالتحديد في محيط العاصمة.
وبناء على هذه المعطيات فان اصحاب هذه الرؤية يتحدثون في اوساطهم عن ان بنك الاهداف السريعة للنظام السوري يتلخص بشكل اساسي في اسقاط بلدة قارة بالدرجة الاولى وفي اسرع وقت ممكن ومعها بلدات اخرى مثل الزبداني على وجه التحديد في سبيل امرين اساسيين:
الاول: هو احكام الطوق نهائياً على منطقة القلمون وجعل المقاتلين المتمركزين فيها في حالة اختناق بطيء خصوصاً مع دنو فصل الشتاء الذي تزيد ثلوجه معاناة المنطقة وقاطنيها على ألا يمنع ذلك استمرار الهجمات ذات الطابع الأمني وإغارات الطيران الحربي وعمليات القصف المدفعي.
الثاني: قطع خطوط التواصل نهائياً بين لبنان والداخل السوري، وما يعنيه ذلك من تعطيل لمنظومة دعم واسناد من الجانب اللبناني وترك هذه المنظومة وجهاً لوجه امام معضلة المدنيين السوريين النازحين الباحثين عن مأوى وطعام.
في كل الاحوال ومهما كانت طبيعة الاهداف التي يرغب النظام في دمشق بلوغها من وراء عملية القلمون وسواء كان يريدها اهداف موضعية لإحكام قبضته على هذه المنطقة التي تمردت عليه قبل سواها من المناطق القريبة من العاصمة وشكلت بيئة حاضنة للمتمردين، وهو الاحتمال الاقرب، ام انه يريدها عملية متدحرجة لن تنتهي قبل اعادة بسط السيطرة على هذه المنطقة الجبلية، فان في بيروت من بات يتعامل مع هذه الحملة من منطلق انها شأن شبه داخلي، إن بأبعاده أو بتداعياته المباشرة والقريبة، التي سيكون البقاع وعلى وجه التحديد بلدات بعينها ساحتها المتلقية.
ومن البديهي ان التكهنات والقراءات حول مستقبل الوضع في البقاع وامتداداً الى الشمال قد بدأت منذ فترة وبالتحديد عندما انطلقت أصوات تربط مثلاً بين مستقبل الوضع في جبل محسن وبين مآل الوضع في القلمون. ولا ريب ان خصوم النظام السوري في لبنان سيطلقون جرس الانذار عالياً حول مستقبل الوضع في عرسال مثلاً. وسواء صحت هذه المخاوف ام كانت مجرد تهويل توظيفي في اطار الصراع الداخلي الحاد الدائر منذ زمن، فالأكيد ان الوضع في البقاع وبالتحديد في المنطقة المعروفة باسم السلسلة الشرقية ستكون من الآن فصاعداً على المحك وعلى طاولة الاحتمالات الصعبة.

السابق
«الانتحار الإقليمي» في لبنان.. بحثاً عن «دور ما»!
التالي
هل تتحول بيروت إلى بغداد أخرى؟