تفجير سفارة إيران: السعودية تلفظ أوراقها الأخيرة

السعودية
هي رسالة سعودية إلى إيران مفادها التالي: لن تنتصروا في سوريا أو في المنطقة خارج تسوية معنا. إيران التي باتت قاب قوسين أو أدنى من تنصيبها شرطيا على الشرق الاوسط والعالم الإسلامي، لن تردّ ولن تنشغل بالصغائر، بل ستنتصر في القلمون تمهيدا لنصرها المدوّي.

مرّة جديدة تستهدف يد الإرهاب والإجرام، من أيّ جهةٍ صدر، المواطنين اللبنانيّين، وهذه المرّة يضاف إليهم بعضَ العاملين في السفارة الإيرانيّة في بيروت، على تخوم ضاحية بيروت الجنوبيّة.

لا يسع المرء إلا التوجُّه بالتعازي الحارّة لأهالي الضحايا، سائلاً الله للجرحى الشفاءَ التامّ، والرحمةَ للشهداء، واستتبابَ الأمن في هذا البلد المكلوم لبنان.

لكن في قراءةٍ متأنّية لما حصل يتساءل المتابع للأحداث الإقليمية والدوليّة:

1ـ هل هذه رسالةٌ من المملكة العربيّة السعوديّة إلى الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ـ التي بدأت تستعدّ للاحتفال بالنصر ـ بأنّها لن تسمح للتسوية المرتقبة بين إيران والولايات المتّحدة الأمريكيّة أن تبصر النور؟

2ـ كيف سيكون الردّ الإيراني عليها؟

قد تكون رسالةً سعوديّة لإيران مفادها أنّ قواعد اللعبة في المنطقة لن تتغيَّر بقرارٍ إيراني منفرد، وأنّه ليس بمقدور أحدٍ أن يتجاوز المرجعيّة السنّيّة المتمثِّلة بالمملكة السعوديّة، ومَنْ سيفعل ذلك فعليه أن يعدّ العدّة للدخول في حربٍ دمويّة مفتوحة مع أهل السنّة.

وقد تكون رسالةً سعوديّة لإيران مفادها أنّنا حذَّرناكم طويلاً من الدخول في معركة القَلَمون، وها هي تباشيرها قد لاحَتْ في الأفق، وقد انتهت الاستعدادات لها بما يعتقد الخبراء أنّ النصر فيها سيكون لحِلْف المقاومة والممانعة.

وأمّا أن تكون رسالةً من القوى المسلَّحة على الأرض بأنّه لا يمكن لتسوية سياسيّة أن تعيد ترتيب الأوضاع في المنطقة، فها نحن قد ولجنا إلى عقر الدار، ونلنا من أحد مراكز القرار، فلا أتصوَّر أن لهذه القوى من الاستقلاليّة ما يمكِّنها من القيام بتفجيرٍ كهذا بشكلٍ منفرد.

وقد يكون لهذا الحدث دلالاتُه الأخرى، التي تصبّ بشكلٍ أو بآخر في هذا السياق.

وقد وجم الجميعُ بانتظار موقفٍ رسميّ إيرانيّ، خارجَ إطار توصيف ما حدث، وبيان هويّة المستهدَف. ولم يطُلْ انتظارُهم حتّى صدر عن الخارجيّة الإيرانيّة ما أكَّد أنّ مَنْ يقف خلف هذا العمل الإجرامي هو: إسرائيلُ وحلفاؤها.

فهل هذا تهديدٌ مبطَّن للسعودية؟ هل يعني هذا أنّ إيران تتوجَّه لاعتبار السعوديّة حليفاً أساسيّاً لإسرائيل، وبالتالي فلا تعاطي معها بعد اليوم إلاّ على هذا الأساس؟

الإيرانيّون ليسوا في وضعٍ قلق كي يفتحوا النار بهذا الشكل على السعوديّة. حتّى ولو حصل لهم اليقين بتورُّطها في هذه الحادثة.

لو كانت السعوديّة تقف خلف هذا التفجير فهذا يعني أنّها قد فقدت كلَّ أوراقها الأخرى لنيل مكاسب سياسية في التسوية المقبلة، وأنّها تسعى لتعطيلها ولو بالدم والنار.

إذاً هي تهدف لفتنة سنّيّة شيعية تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل سنتين ونيِّف، عندما اندلعت شرارة العنف في سوريا، وكان المراد لها أن تمتدّ إلى لبنان وسائر المنطقة، لتتحوّل المنطقة كلّها كتلة نارٍ طائفيّة ملتهبة، ما كان سيدفع بإيران الى التدخُّل لحماية الأقلّيات الشيعيّة في أكثر من بلد، فتُشغَل عن برنامجها النووي، وعن ترسانتها العسكريّة لمواجهة إسرائيل، وعن تنمية اقتصادها، و…. وبهذا ينالون منها ما لم يمكنهم أن ينالوه بـ”الثورة الخضراء”، التي افتعلوها قُبَيْل الانتخابات الرئاسيّة ما قبل الأخيرة، وما لبثت أنْ خمدت بإرادة الشعب ووحدته.

وقد استطاعت قوى الممانعة، وعلى رأسها إيران وروسيا، حتّى اليوم، من إخماد نار الفتنة، وأبقَتْ على أحداث العنف بعيداً عن صفة الحرب الدينيّة.

ومن هنا فإنّ أيّ ردٍّ إيراني على هذا التفجير، حتّى لو ثبت تورُّط السعوديّة فيه بشكلٍ وآخر، سيكون عَوْداً على بَدْء، وتحقيقاً لطموحٍ سعوديّ طالما سعت إيران لإعاقته وإفشاله.

إيران اليوم في الممرّ الأخير إلى تسوية دوليّة (تفاهم إيراني ـ روسي ـ أمريكي) تكرِّسها شرطيّاً للخليج، بل للمنطقة العربيّة والإسلاميّة كلِّها.

وقد باتَتْ الولايات المتحدة الأميركية مقتنعةً بأنّ شرطيّاً قويّاً للمنطقة، على غرار ما كان عليه الشاه في السبعينيّات، من نتاج تفاهمٍ أمريكيّ روسيّ إيرانيّ، سيُبقي على مصالح أميركا الاستراتيجية في المنطقة، مقابل عودة الهدوء والاستقرار إليها، والتخلّي عن حلفاء كُثُر لم تستفِدْ منهم شيئاً، أو عن حليفٍ تكفيريّ تستشعر أمريكا خطرَه أكثر من أيِّ أحدٍ آخر.

وإيران اليوم، بل قوى الممانعة والمقاومة كلّها، على مشارف نصرٍ كبير في معركة القَلَمون، وما سيلحقه من استتبابٍ للأمن في منطقةٍ واسعة من سوريا.

وبالتالي فلن تفرِّط هذه القوى بهذه النتائج شبه المضمونة، كي تخوض غمار حرب طائفيّة قد لا تنتهي قريباً، ولن تنشغل بمثل هذه الصغائر عن مكاسب استراتيجيّة، هي قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها.

لن تنجرف إيران إلى ردٍّ دمويّ يجرّ العنف الشامل، وإنّما ـ كعادتها ـ تجترح ردّاً استراتيجيّاً قاضياً، بانتصار حاسمٍ في الميدان (سوريا ـ القَلَمون)، وبتسويةٍ تكرِّسها سيّدةً للمنطقة إلى أمدٍ غير معلوم.

السابق
اللبنانية تحتفل بتدشين مبنى مركز اللغات
التالي
سماع اطلاق نار في محيط السفارة الإيرانية