الجمهورية: القاعدة تعرقن لبنان وحزب الله يتخذ إجراءات إستثنائية

كتبت “الجمهورية ” تقول: أدخل التفجير المزدوج الذي استهدف مقرّ السفارة الايرانية في بيروت لبنانَ في مرحلة جديدة يُخشى أن يكون قد دخل معها في العرقنة، خصوصاً بعد تبنّي تنظيم “القاعدة” هذا التفجير، محوّلاً البلاد من “ساحة نصرة” إلى “ساحة جهاد”، ما فرضَ استنفاراً سياسيّاً محلّياً وإقليميّاً ودوليّاً على كلّ المستويات، عبّرت عنه ردود الفعل العارمة التي ندّدت بهذا العمل الإرهابي، ولا سيّما منها الموقف الأميركي الذي وصف التفجير بأنّه “عمل دنيء”، خصوصاً أنّه يأتي عشية انعقاد جولة المفاوضات الجديدة بين إيران والدول الست، والتي يُرجّح انتهاؤها باتّفاق على حلّ للملفّ النووي الإيراني، كذلك يأتي بعد اندلاع معركة القلمون السوريّة وما يمكن أن يكون لها من تداعيات على الساحة اللبنانية الهشّة سياسيّاً وأمنيّاً.
فقد ضرب الإرهاب الضاحية الجنوبية لبيروت مجدداً، واستهدف صباح أمس مقرّ السفارة الإيرانية في محلّة بئر حسن، في تفجير مزدوج تبنّته “كتائب عبد الله عزام” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، وأوقع 24 شهيداً بينهم الملحق الثقافي في السفارة الشيخ ابراهيم الانصاري وأربعة من حرّاسها بينهم قائدهم الحاج رضا فارس، و150 جريحاً من المارّة وسكّان المباني المحيطة بمبنى السفارة الذي لحقت به أضرار مادية، لأنّ الانتحاريَين اللذين نفّذا الهجموم فشلا في الوصول اليه.
وعلمت “الجمهورية” أنّ الأنصاري قُتل في سيارته فيما كان ينتظر نزول السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي من مكتبه في السفارة ليتوجّها معاً إلى موعد مع وزير الثقافة غابي ليّون.
وبحسب الجيش اللبناني، فإنّ الانفجار الاوّل نجم من إقدام انتحاريّ يقود درّاجة نارية على تفجير نفسه، محمّلاً بعبوة ناسفة زنتها 5 كلغ من المواد المتفجّرة عند البوّابة الخارجية للسفارة، فاتحاً الطريق للإنتحاري الآخر الذي كان يقود سيارة رباعية الدفع من نوع “إنفوي” مفخّخة 50 كلغ من المواد المتفجّرة ليصل بها الى مبنى السفارة وتفجيرها فيها.

رواية الخبراء
وأفاد تقرير الخبراء العسكريين الذين كشفوا على مكان الإنفجار أنّه بالإستناد الى ما جُمع من كاميرات المراقبة التي تغطي المكان فقد تكوّنت رواية عن عملية التفجير حصلت عليها “الجمهورية” من مصادر قضائية وأمنية وهي انّ الإنتحاري الأوّل اوقف درّاجته النارية على بعد 30 متراً من مدخل السفارة وترجّل منها في اتجاه مدخل السفارة فاشتبه به قائد حرس السفارة رضوان فارس الذي كان يقف الى جانب المستشار الثقافي في السفارة الشيخ ابراهيم الأنصاري ومعه أحد مسؤولي المكتب الثقافي فعاجله حرّاس السفارة بالرصاص ولم يثبت ما إذا كان إطلاق النار قد فجّر العبوة التي كان يحملها الإنتحاري الذي اقترب من المدخل لأمتار قليلة أم انّه هو من فجّر نفسه.
وبعد الإنفجار الأوّل إستنفر حراس السفارة وأطلقوا رشقات نارية غزيرة، واشتبهوا بسيّارة جيب “تريل بلايزر” رباعية الدفع جردونية وذات زجاج داكن كانت تتّجه نحوهم سريعاً فأطلقوا النار في اتّجاهها قبل بلوغها مدخل السفارة ففجّرها سائقها الإنتحاري الثاني، وقدّرت العبوة فيها بـ 60 كيلوغراما.
وحصل التفجير قبل 24 ساعة على استئناف المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 في جنيف حول برنامج طهران النووي، وفي غمرة الجهود الدولية لتذليل العراقيل من أمام عقد مؤتمر جنيف 2، وبعد اسبوع من بدء معركة القلمون وسيطرة قوات النظام السوري على بلدة قارة، وايّام على رفض الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله خلال ظهوره العلني لمرّتين متتاليتين سحب مقاتلي الحزب من سوريا مؤكّداً مواصلة القتال فيها.
ورأى مراقبون أنّ لبنان وقع في المحظور الذي تخوّف منه الجميع، لأنّ هذين التفجيرين أكّدا تجدّد مسلسل التفجير، لكنّ المؤشر الخطير فيه هذه المرّة تمثّل بدخول العامل الانتحاري وتبنّي “القاعدة” التفجيرين للمرّة الأولى، ما يعني انّها لم تعد خلايا نائمة وإنّما ناشطة، وقد أعلنت في بيانها أنّ هدفها من التفجيرين هو الضغط على “حزب الله” لسحب مقاتليه من سوريا والإفراج عن معتقلين لها “من سجون الظلم في لبنان”، متوعّدة بمواصلة العمليات حتى تحقيق هذين الهدفين.

“حزب الله” لـ”الجمهورية”
وقالت مصادر قيادية بارزة في حزب الله” لـ”الجمهورية”: “لقد دخلنا مرحلة جديدة نعتبرها الاخطر، وهي مرحلة الانتحاريّين التي لا ينفع معها ايّ اجراء، لكنّنا سنتّخذ اجراءات استثنائية لأنّ كلّ الامور تغيّرت بالنسبة الينا، فالمرحلة الجديدة تتطلب معادلات جديدة. لقد وصلت الرسالة وهي واضحة ومعروفة الهوية، لكنّنا نؤكّد انّها لن تغيّر شيئا بالنسبة الينا، لا بل على العكس ستزيدنا إقتناعاً وإصراراً على كلّ ما سبق وأعلنّاه”.
وأضافت هذه المصادر: “نخشى ان تتحوّل العمليات الانتحارية إستهدافات مباشرة للمراكز، واستهدافات انتحارية عشوائية تطاول تجمّعات الشيعة، على غرار ما يحصل في العراق، لأنّنا بذلنا جهداً أمنيّاً كبيراً خلال الفترة السابقة للحدّ من دخول السيارات المفخّخة، لكنّ العمليات الانتحارية من الصعب ضبطها”.
وعلمت الجمهورية” انّ قيادة حزب الله عقدت اجتماعات امنية رفيعة المستوى تقرّر خلالها الإيعاز الى كلّ المراكز التابعة للحزب من مكاتب ومراكز ومنازل ومقارّ حزبية لإتخاذ إجراءات اضافية استثنائية تحسّباً لأيّ هجوم انتحاري.

إستنفار سياسيّ وأمنيّ
ولاقى التفجيران إدانة محلّية وإقليمية ودولية عارمة، واستدعيا استنفاراً سياسيّاً وأمنيّا واسعاً، فيما تردّد أنّ اجتماعاً أمنياً سيُعقد اليوم في بعبدا.
واتّهمت ايران “اسرائيل وعملاء مأجورين لها بالوقوف وراء الانفجارين”.
واعتبرت هذا الإعتداء بمثابة “جرس إنذار لنا جميعا” وقطع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان زيارته للكويت، واتّصل بالرئيس الايراني حسن روحاني وبالسفير ركن أبادي مستنكراً، ومؤكّداً انّ “لبنان لن يسمح باستعمال الإرهاب المستورد لتفجير نسيجه الاجتماعي، كما لن يسمح بتصفية خلافات الآخرين على أرضه”. وأكّد أنّ يد الارهاب لن تستطيع إعادة عقارب الساعة الى الوراء وإعادة فتح صفحة سوداء من تاريخ لبنان”.

برّي
من جهته، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ”الجمهورية”: “انّ استهداف السفارة الإيرانية بهذه الطريقة من التفجير ادخل لبنان في مرحلة جديدة تحوّل معها بالنسبة الى الذين يقفون وراء هذا التفجير من “ساحة نصرة” الى “ساحة جهاد”.
وإذ أبدى تخوّفه من تكرار هذه التفجيرات أكّد “أنّني ما زلت أراهن على وعي الشعب اللبناني الذي عكسته ردات الفعل وبيانات استنكار الجريمة، حيث إنّ غالبية الذين استنكروا عبّروا عن روح المسؤولية وتحسّسهم للمخاطر المحدقة بلبنان”.
وكرّر دعوته الجميع للجلوس الى طاولة الحوار للبحث في سبل تجنيب البلاد ما يتهدّدها من مخاطر، منوّهاً بالموقف الذي عبّر عنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في هذا الاتجاه في معرض استنكاره التفجيرين.
وكشف برّي “انّ الذين استهدفوا السفارة هم أنفسهم الفريق الذي هدّد باغتيالي واغتيال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وقائد الجيش العماد جان قهوجي”، مشيراً الى “أنّ هؤلاء معروفون من حيث هويتهم والاماكن التي ينطلقون منها”.
وإلى ذلك ناشد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الجميع “الهدوء والتمسّك أكثر فأكثر بضبط النفس وعدم الإنفعال لأنّ المرحلة الصعبة تقتضي منّا جميعاً الهدوء ورباطة الجأش”.
بدوره، دعا الرئيس المكلف تمام سلام الجميع الى “خفض حدة التشنّج الذي تعيشه البلاد عبر الارتقاء بالخطاب السياسي الى أعلى مراتب المسؤولية، فضلاً عن النأي بلبنان عن كلّ ما يؤدي الى زعزعة استقراره وأمنه”.
وشدّد الرئيس سعد الحريري على وجوب “ان يشكّل هذا الانفجار الارهابي دافعاً جديداً لإبعاد لبنان عن الحرائق المحيطة، وتجنيب اللبنانيين مخاطر التورّط العسكري في المأساة السورية”. وأهاب بالقيادات والجهات المسؤولة “الاحتكام الى العقل وإلى مصلحة لبنان وسلامة اللبنانيين في مواجهة هذه اللحظات العصيبة”.

رئيس مؤسّسة الإنتربول
واستنكر رئيس مؤسّسة الإنتربول الدولي الياس المر الانفجار الذي استهدف السفارة الإيرانية، ووصفه بأنّه “عمل إرهابيّ بامتياز”، داعياً الجميع، مسؤولين وقياداتٍ سياسية إلى “تحمّل مسؤوليّاتهم ومواجهة القوى الإرهابية المتطرّفة التي تستهدف تفكيك الكيان اللبناني وإيقاع الفتنة بين اللبنانيّين”.
وقال المر لـ”الجمهورية”: “إنّ المسؤولية الوطنية تفرض على الجميع الخروج من دائرة الخلاف والتشنّج السياسي والمذهبي والطائفي، وتأليف حكومة وفاق وطنيّ تتحمّل المسؤولية لتجنيب البلاد مخاطر التفكّك والانحلال في زمن تغيير الدول، حتى لا يتحوّل لبنان نهباً لكلّ ما يُعدّ من تسويات إقليمية ودولية قد تأتي على حساب مستقبل اللبنانيّين وعيشهم الواحد”.

مواقف دولية
ودان وزير الخارجية الاميركي جون كيري التفجيرين الانتحاريين “الارهابيين” اللذين استهدفا السفارة الايرانية، وقال في بيان إنّ “الولايات المتحدة تدين بقوّة الاعتداءين الارهابيين الوحشيّين والدنيئين على السفارة الايرانية في بيروت”. واضاف: “نحضّ جميع الاطراف على التحلّي بالهدوء وضبط النفس لتجنّب تدهور الوضع في شكل اكبر”.
وتابع كيري في بيان نادر تبدي فيه واشنطن تعاطفها مع طهران انّ “الولايات المتحدة تعلم تماماًَ ضريبة الارهاب الذي يستهدف ديبلوماسيّيها في كلّ انحاء العالم، وقلوبنا هي مع الشعب الايراني بعد هذا الهجوم العنيف وغير المبرّر الذي ادّى الى مقتل ديبلوماسيّ ايراني واحد على الأقلّ”. وأوضح أنّ “تفاصيل هجوم اليوم (أمس) ليست معروفة حتى الآن، ونحن ندعم التزام الحكومة اللبنانية إجراء تحقيق دقيق”.
وفي السياق، نقل مراسل “الجمهورية” في واشنطن عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاميركية إدانته للانفجارين وأسفَه لسقوط ضحايا أبرياء من اللبنانيين. وقال “إنّ هذا النوع من التفجيرات مدان، بمعزل عن الجهة التي قامت به، خصوصا أنّ ضحاياه هم من الابرياء. وشدّد المسؤول على ضرورة العمل للحفاظ على امن لبنان واستقراره والابتعاد عن كلّ ما من شأنه ان يضاعف التوتّر القائم، سواءٌ داخل لبنان أو على حدوده. واعتبرت سوريا انّ “رائحة البترودولار تفوح من كلّ الأعمال الإرهابية التي ضربت في سوريا ولبنان والعراق”.
ودان مجلس الامن الدولي بشدّة التفجيرين داعياً في بيان صدر بإجماع اعضائه الخمسة عشر، اللبنانيين الى “الامتناع عن ايّ تورّط في الأزمة السورية”، مذكّراً بـ”المبدأ الاساسي القائم على عدم انتهاك المقارّ الديبلوماسية والقنصلية، وواجب حكومات الدول المضيفة (…) باتّخاذ كلّ التدابير الضرورية لحماية (هذه) المقارّ” والطواقم الدبلوماسية من ايّ تسلّل او هجوم”.
ودعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون اللبنانيين الى “ضبط النفس ودعم مؤسّسات الدولة وخصوصاً قوات الامن”.وبدورها دعت روسيا الى” معاقبة مدبّري هذا الهجوم”، وطالبت المجتمع الدولي باتّخاذ موقف حاسم من هذا العمل الإجرامي.
وإذ دانت الرئاسة الفرنسية “بأكبر مقدار من الحزم” “الإعتداء الدموي”. دعا الاتحاد الاوروبي”جميع الاطراف الى تسهيل إجراء التحقيق والتعاون مع السلطات اللبنانية”.

السابق
الأخبار: هل دخل لبنان عهد حَمَلة الأحزمة الناسفة؟
التالي
البناء: الإرهاب الظلامي يستدعي النفير الوطني العام