إستهداف طهران لسحب «الحزب» من سوريا

في التوقيت لا يمكن ربط التفجيرين في محيط السفارة الإيرانية إلّا بانطلاق معركة القلمون، هذه المعركة التي تعتبر استراتيجية بالنسبة إلى الطرفين، وتحديداً النظام السوري، الذي هو بأمسّ الحاجة لهذا الانتصار لسبيين: الأول ميداني ربطاً بأهمية هذه المنطقة جغرافياً لجهة سيطرته على كامل الطريق الساحلية الدولية وربطها بالعاصمة.
والثاني سياسي ربطا بـ”جنيف – 2″ وسَعيه لتحقيق مكاسب على الأرض في محاولة لتغيير جدول أعمال المؤتمر من مرحلة انتقالية من دون الرئيس السوري إلى مرحلة انتقالية يكون في صلبها وصميمها.
وانطلاقاً من الدور الذي اضطلع به “حزب الله” دفاعاً عن النطام وفي معركة القصير في ظلّ تقاطع معلومات عدة تؤكد انه لولا مشاركة الحزب لكان سقوط النظام حتمياً، ومع نَشرِه آلاف المقاتلين استعداداً للمعركة الاستراتيجية الكبرى في القلمون، يصبح الرد على الحزب في عقر داره متوقعاً بُغية إرباكه والهائه وفَرطَعة قوّته، حيث أن اضطراره إلى حماية بيئته ومركز قوته وحضوره سيدفعه إلى سحب الآلاف من مقاتليه من سوريا كونه غير قادر عددياً على المواجهة في ساحتين معاً، ما سيؤدي إلى تراجع دوره في القتال السوري.
وهذا على مستوى التوقيت و”حزب الله”، ولكن ماذا عن الرسالة الموجهة إلى إيران وفي لبنان تحديداً؟ إذا كان من الثابت أنّ المستهدف هو الدولة الإيرانية على الأرض اللبنانية، إلّا أن هذا الاستهداف لا يعني بالضرورة استخدام الأرض اللبنانية لمواجهة الدور الإيراني على مستوى المنطقة، إنما يتصِل باستهداف الدور الإيراني في لبنان نتيجة دفع طهران “حزب الله” إلى القتال في سوريا، وقد أعلن تنظيم القاعدة الذي تبنّى الهجوم أن “الهدف من العمليتين الضغط على الحزب لسَحب مقاتليه من سوريا”، والإفراج عن “معتقلين للقاعدة في لبنان”.
فـ”حزب الله” ما كان في وارد الدخول من تلقاء نفسه إلى سوريا لولا التكليف الإيراني الذي استدعى من السيّد حسن نصرالله المجازفة بالذهاب إلى طهران للاجتماع مع السيّد علي خامنئي والتقاط الصورة الاستثنائية بين الرجلين إيذاناً بانخراط الحزب في المعركة السورية، هذا الانخراط الذي أدى إلى تعديل موازين القوى لمصلحة النظام، وبالتالي استهداف السفارة هو استهداف لدور إيران انطلاقاً من لبنان.
ولكن أخطر ما في التفجيرين الأخيرين أنهما ناجمان عن انتحاريين، ما يعني تطور مستوى المواجهة، وهذا التطور له علاقة بالإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذها الحزب، والتي دفعت القاعدة إلى اللجوء لعنصر الانتحاريين، هذا العامل المستجدّ على الساحة اللبنانية الذي يستحيل مواجهته بإجراءات أمنية أو أمن ذاتي، يتطلب بالدرجة الأولى اعتماد خطوات سياسية في طليعتها انسحاب “حزب الله” من سوريا. واللافت أن هذا التفجير تقصّدَ توجيه الرسالة مباشرة إلى طهران لا الحزب، بغية أن تتخذ قرار إعادته إلى بيروت على غرار قرارها إرساله إلى دمشق.
وقد أدى انخراط “حزب الله” في الحرب السورية إلى تحويل الساحتين اللبنانية والسورية إلى ساحة واحدة، وهذا الأمر يدخل أساساً في صلب عقيدة الحزب التي لا تعير أيّ اهتمام لسيادة الدوَل وحدودها، إنما لهذا الانخراط تداعيات كبرى على الساحة اللبنانية وفي طليعتها استجلاب الحرب على لبنان، وبالتالي المسألة تتجاوز حاجة “حزب الله” إلى غطاء داخلي أو عدمه إلى انعكاس أفعاله على جميع اللبنانيين.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستردّ إيران، وأين، وكيف؟ وهل سيكون الردّ في لبنان أو سوريا أو غيرهما من الدوَل؟ إلا أنّ اللافت في هذا السياق محاولة طهران التماهي مع الغرب بتصوير نفسها وكأنها في مواجهة مشتركة معه ضد الإرهاب في محاولة لتعزيز أوراقها التفاوضية عشيّة استئناف المحادثات النووية، حيث كانت رسالة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف معبّرة بقوله “الاعتداء الانتحاري المزدوج بمثابة جرس إنذار لنا جميعاً”، في دعوة للغرب إلى تجاوز النووي والاصطفاف في مواجهة الإرهاب، علماً أنّ هذا الإرهاب مردّه إلى عاملين أساسيين بالحد الأدنى: الإهمال التاريخي والمتمادي اللاحق بالقضية الفلسطينية، والأزمة السورية التي فجّرت حرباً مذهبية وسَلّطت الضوء على الدور الإيراني في المنطقة. وبالتالي، مواجهة الإرهاب تبدأ بحلّ القضيتين الأولى والثانية وتخَلّي طهران عن دورها الإقليمي.

السابق
قصف على قرى حدودية من الجانب السوري
التالي
مكرمة ملكية لايران