الأخبار: النصف +1 في استحقاق 2014: روليت روسية

كتبت “الأخبار ” تقول:  يتقدّم الاهتمام بانتخابات الرئاسة على تأليف الحكومة، كأن الاولى واقعة غداً والثانية مستبعدة. باتت المدة الفاصلة عن الاستحقاق الرئاسي نصف مدة استغرقتها حتى الآن جهود الرئيس تمام سلام لتأليف الحكومة. لا التأليف وشيك، ولا الرئاسة أكيدة، في ظل الجدل على النصاب
بكّر الأفرقاء في خوضهم في انتخابات رئاسة الجمهورية من الباب الأكثر افتعالاً للخلاف والانقسام، وهو النصاب القانوني لانتخاب الرئيس، في استعادة لتجربة استحقاق 2007. ورغم أن البعض منهم يستعجل ترشيحه للمنصب جهراً أو إيحاءً، الا أن الجدل الآخذ بطيئاً في التنامي يقصر الانشغال على نصابي التئام البرلمان وانتخاب الرئيس.
وخلافاً لانتخابات 2007، بعد انقضاء المهلة الدستورية ووقوع الفراغ حتى أيار 2008، يسلك فريقا 8 و14 آذار منحى مختلفاً يكاد يكون متشابهاً، بل متطابقاً في مقاربة الاستحقاق. وهو أن أطرافاً رئيسيين فيهما يروّجون لانتخاب الرئيس بالاكثرية المطلقة من الأصوات، وعدّ نصاب التصويت نصاب الالتئام في الوقت نفسه في الدورة الثانية من الاقتراع.
حتى الآن اثنان بارزان، مرشحان محتملان أيضاً، أعلنا تأييدهما انتخاب الرئيس بالنصف +1، هما رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. قبل أكثر من خمس سنوات كانا على طرفي نقيض عندما تمسك الاول بنصاب الثلثين لالتئام البرلمان في كل الدورات، وقال الثاني إن الاكثرية المطلقة هي نصابا الانعقاد والانتخاب معاً في الدورة الثانية. كان الرجلان صدى فريقيهما اللذين قادا البلاد الى فراغ، الى أن انتخب الرئيس ميشال سليمان بنصاب تجاوز ثلثي المجلس حضوراً واقتراعاً.
ساد مذ ذاك اعتقاد بأن الصفحة طويت نهائياً على تأكيد اجتماع 86 نائباً في الدورتين الاولى والثانية، أخذاً بعرف متواصل. منذ أول رئيس للجمهورية هو شارل دباس حتى الرئيس الحالي لم يفز رئيس بمنصبه، في أي من دورتي الاقتراع الاولى والثانية، الا في حضور ثلثي أعضاء البرلمان. لم تنشأ مذ ذاك أيضاً سابقة مناقضة لهذا العرف، ولم يُثر حتى عام 2007، على مر 80 عاماً من إعلان الجمهورية، نصاب التئام المجلس لانتخاب الرئيس.
أكثر من حافز حمل قوى 14 آذار بين عامي 2007 و2008 على التمسك بنصاب النصف +1، أبرزها امتلاكها الغالبيتين النيابية والحكومية ودعم المجتمع الدولي ضد حلفاء سوريا في لبنان آنذاك. امتنع الاميركيون عن مجاراة حلفائهم اللبنانيين في هذا الخيار، وتحدث الفرنسيون تكراراً عن ضرورة توافق الأفرقاء المحليين، ووقفت بكركي ضد هذا النصاب ثم أطاحته تسوية الدوحة.
في الأسابيع الأخيرة ارتفعت تدريجاً ـــ وإن بحذر ـــ نبرة تشجيع انتخاب الرئيس بالنصف +1، وبدا من تداول أحاديث شتى فيه أن قوى رئيسة في 8 و14 آذار تستعد من الآن لخوض معركة فرض هذا النصاب، وفي ظن كل منها أن الفريق الآخر يؤيده ولكنه لا يملكه.
أبرزت هذا الجانب من الجدل المستجد بضع ملاحظات:
1 ـــ استعانة أطراف في الفريقين بخبراء وباحثين في القانون يجتهدون في تفسير المادتين 34 (نصاب الانعقاد العادي) 49 (نصاب انتخاب الرئيس). اللافت أن أفرقاء في قوى 8 آذار باتوا يتحجّجون بما كان يقول به الفريق الآخر إبان استحقاق 2007 من أن النصاب الموصوف يمنع انتخاب الرئيس.
2 ـــ ان التوافق الضمني لقوى 8 و14 آذار على نصاب الاكثرية المطلقة سيف ذو حدين، ينطوي على مجازفة أقرب الى روليت روسية لا يعرف فيها متى تدخل الرصاصة رأسه ويربح خصمه.
لا يكفي أن يقول مرشحون موارنة إنهم يطلبون هذا النصاب كي يجاريهم حلفاؤهم من داخل الفريق نفسه. لم يقل الرئيس ميشال عون بعد إنه يؤيد وجهة نظر فرنجية، ولن يقبل النائب بطرس حرب اليوم في جعجع ما كان رفضه لنفسه عام 2007 عندما تمسك بالثلثين لالتئام البرلمان حينما اقترح عليه حلفاؤه انتخابه بالنصف +1 واحد.
ولأن كلاً من فريقي 8 و14 آذار قريب من هذا النصاب من غير أن يمتلكه، ويحتاج تالياً الى حليف من خارجه يضع بين يديه النصف +1، يصبح الاستحقاق برمته لدى “تيار المستقبل” و”حزب الله”.
3 ـــ بدءاً من 25 آذار تصبح المبادرة عند رئيس المجلس نبيه بري الذي يقتضي، في اليوم السابق لهذا التاريخ على الأكثر، أن يوجه الى النواب دعوة الى انتخاب الرئيس منذ اليوم الاول للمهلة الدستورية. في الغالب، على أبواب بدء المهلة، تجتمع هيئة مكتب المجلس كي تحدد النصاب القانوني لجلسة الانتخاب عملاً بالمادة 49 على غرار جلستي انتخاب الرئيسين الياس سركيس وبشير الجميّل عامي 1976 و1982، وكان البرلمان بدأ يشكو من تناقص نوابه بالوفاة أو الاغتيال من دون مقدرته على استكمال عدد أعضائه. إلا أن تحديد موعد الجلسة يدخل حصراً في صلاحية رئيس المجلس، بتوجيهه دعوة تلو أخرى الى انعقاد المجلس الى أن يُنتخب الرئيس.
حينما سئل بري أخيراً عن احتمال نشوب جدل دستوري مجدداً حيال نصاب انعقاد المجلس على نحو عام 2007، قال إن النصاب لا يحتاج الى إعادة تأكيد. الثلثان يحضران في كل دورات الاقتراع.
قبل أيام، قال رئيس حزب القوات اللبنانية إن مجلس النواب يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق نهاية ولاية الرئيس، في إشارة ضمنية الى أن الاجتماع الحكمي يمكن المجلس من الالتئام بالنصف +1 لانتخاب الرئيس، الامر الذي يناقض تماماً مضمون المادة 73 من الدستور التي تتحدث عن انعقاد حكمي للمجلس في اليوم العاشر من دون دعوة من رئيس المجلس. تبعاً للمادة 73، يقتضي برئيس المجلس توجيه الدعوات واحدة بعد أخرى حتى يفقد الصلاحية في اليوم العاشر في 15 أيار 2014. عندئذ يجتمع المجلس تلقائياً لانتخاب الرئيس أو البقاء في انعقاد دائم للانتخاب من ضمن النصاب القانوني الذي تنص عليه المادة 49. في الشهرين السابقين لنهاية الولاية، أو في الايام العشرة السابقة لها، لا يسع البرلمان الالتئام الا بالنصاب التي ترعاه المادة 49.
4 ـــ لعل الصدمة التي تنتظر المنادين بانتخاب الرئيس بالنصف +1 أنها ستأتيهم من حيث لا ينتظرون، وهو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. وخلافاً لما كان عليه في انتخابات 2007 عندما كان وقتذاك رأس حربة هذا النصاب متقدّماً المرشحين الموارنة، لن يجد جنبلاط في استحقاق 2014 مقعداً وثيراً له أكثر من التشبث بنصاب الثلثين للالتئام. وحده الزعيم الدرزي قادر على تمكين قوى 8 أو 14 آذار من الحصول على النصف +1 الذي يفتقر إليه كل منهما. بل يبدو تمسكه بالثلثين مخرجاً ملائماً له للتخلص من التحالف مع قوى 8 آذار يحمله على الرضوخ لترشيح فرنجية أو عون للرئاسة، ومن التحالف مع قوى 14 آذار لحمله على تأييد جعجع أو حرب أو مرشح آخر، الامر الذي يبقي جنبلاط الى جانب بري في هذا الخيار.
لا يعدو موقف جنبلاط هذا إلا مكملاً موقفه من تأليف الحكومة: يقف بين فريقين لا يسع أحدهما تأليف الحكومة من دونه، إلا انه لا يدعم حكومة تستثني أياً منهما.

السابق
الشرق: تباين واسع داخل فريق 8 آذار
التالي
الجمهورية: لبنان بين مطرقة الفراغ المُتمادي وسندان الحرب السورية