اغضبوا

الغضب كان الدافع الاساسي للربيع العربي. جزمة البوليس والعسكر ومصادرة الحريات وإهانة الكرامة البشرية وفساد أزلام السلطات الحاكمة والتفاوت الطبقي المخيف والفقر المدقع والاذلال اليومي جعلت الناس تغضب في تونس ومصر وليبيا واليمن. وأضيف الى ذلك التمييز الطائفي في البحرين وسوريا فكان الغضب الشعبي العارم وسقوط النظام تلو الآخر.
سقط حاكم في تونس وتلاه آخر في مصر وكذلك في ليبيا واليمن. وسقط بسقوطهم النموذج الامني العسكري المهيمن على مؤسسات الدولة وأجهزتها ومن ثم على المجتمع وفاعلياته، عبر تعطيله سيادة القانون ونزع استقلال السلطتين القضائية والتشريعية، وتفريغ الإرادة الشعبية من المضمون والقضاء على التنوع والتعددية. سقط، وكان الاسلاميون البديل الطبيعي في مصر وتونس، كونهم حزب المعارضة الاكبر والاكثر تنظيما ومظلومية. لكن النموذج الثاني كان مثل النموذج الاول مناقضا للتنظيم الديموقراطي للمجتمع إذ عمد الى “تديين الدولة والمجتمع” واختزال السياسة إلى “صراع على الهوية”. أما في اليمن وليبيا، حيث الاسلاميون أضعف من أن يكونوا البديل، فكانت الميليشيات والقبائل هي البديل الفعلي والأقوى من الحكومات الجديدة.
انفجار الغضب الشعبي في موجته الاولى لم يحقق أيا من غاياته الفعلية في أي من دول الربيع. أما في موجته الثانية التي شهدتها مصر، فكان الطريق لعودة العسكر بزخم غير مسبوق. إذاً دائرة الخيارات مقفلة ومقتصرة على ثلاثة نماذج لا ينتج اي منها لا ديموقراطية ولا حرية ولا كرامة ولا لقمة عيش او تنمية: جزم العسكر، لحى المتدينين، بنادق الميليشيات والحروب الاهلية. اما الحياة السياسية الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني، صمام الامان للحياة الديموقراطية، فكانت ولا تزال في خبر كان.
هذه الحلقة المقفلة بحد ذاتها يجب ان تكون سببا لتجديد الغضب. الغضب هو الدافع للمقاومة، هو الدافع للبحث عن البدائل، هو الدافع لتجديد النبض. الغضب ينتج الالتزام القوي. ولدينا كل الاسباب للغضب: ظلم، استبداد، عنف، سكاكين، فتاوى ضد الحياة، جهل، تخلف، عنصرية، تعصب، عمى، جنون.
اغضبوا، لايجدر بالشباب ان يستقيلوا، لا يجدر بهم أن ينجرّوا وراء الحقد العصبوي والتوتاليتاريات على انواعها سياسية كانت أم أمنية أم دينية. اغضبوا ضد الحرب والاقتتال العشوائي والرخيص. اغضبوا ضد التدمير الذي يزرع اوطاننا. اغضبوا ضد الطائفية والعودة الى الجاهلية. اغضبوا من أجل اعادة الاعتبار للقيم والمبادىء، من اجل اعادة الاعتبار للحياة السياسية، من أجل الكرامة الانسانية وحب الحياة، فهذا ما نحتاج اليه اليوم أكثر من أي يوم مضى. ولعل الغضب الاعنف هو الغضب السلمي القادر على البناء.

السابق
لا حكومة = لا رئيس
التالي
معركة «القلمون» تزيد مخاوف «التماس اللبناني»