عن أكذوبة حوارات الأديان: فتّش عن السياسة

الراعي والشيخ حسين شحادة
دعوات الحوار بين الأديان والمذاهب في هذه اللحظة هي تعمية عن رؤية الواقع الفعلي. وهي معالجة لمرض موهوم وتبعد البوصلة عن معاينة المرض الفعلي ومعالجته. فهو ليس "احترام الآخر" بل هو مرتبط بالسيسة والاستبداد والمذهبية السياسية، لا الاختلاف المذهبي من الناحية الفقهية.

تكثر هذه الأيام الأنشطة التي تدعو إلى حوار الأديان، خصوصاً ما بين الدين الإسلامي والدين المسيحي، وترفع عناوين تتعلق بالتضامن الروحي بين الدينين، وأن اللقاءات والحوارات تأتي لتؤكد مجدداً، وباستمرار، على احترام خصوصية كل مذهب وطائفة ودين، والانفاح على ما هو مشترك بينها، خصوصا القيم الروحية التي تسعى هذه اللقاءات إلى أن تؤسس عليها التضامن الروحي والتماسك الاجتماعي.

يبدو من هذا الكلام المقتبس من أدبيات الجمعيات والمؤسسات المنظمة لهذه اللقاءات كما لو أنّها تتعاطى مع مجموعات بشرية تعيش مع جيران لها، وأن المشكلة تكمن في عدم احترام خصوصية كل منها للآخر. وهو بالطبع خطاب يقفز عن الواقع الفعلي الذي تعيشه المجتمعات العربية، والاشكالات ذات الطابع السياسي وليس الديني، وأن النزاع المفتوح حالياً ليس بين الدين الاسلامي والدين المسيحي، بل بين المذهب السنّي والمذهب الشيعي، داخل الطائفة الاسلامية، حيث تسعى كلّ منهما الى الهيمنة على السلطة وتجاوز المؤسسات الدستورية اذا لم تهيمن عليها. وهو موضوع جدير بالنقاش وفتح الحوار حوله، لكن ليس من مدخل الايديولوجيا والمعتقد بل من المدخل السياسي الذي يشكل جوهر النزاع.

أحد الأصدقاء يبرّر الأنشطة بالإشارة إلى أن مسيحيي المشرق العربي خائفون على مستقبلهم. الجواب جاهز وفوري: الشيعة أيضاً خائفون، والسنة كذلك. الأقليات خائفة والأكثرية خائفة، وأزمة الأقليات هي نفسها أزمة الأكثرية وهي أزمات تتعلق بالسلطة الاستبدادية.

وإذا كانت السنّية السياسية تسيطر على معظم بلدان المنطقة فإنّ استبدادها لا يطال الأقليات فحسب بل يتجاوزها نحو الأكثرية السنية نفسها، وهذا ما نلحظه في السعودية، مصر وغيرها.

وفي بلدان أخرى مثل سوريا فإن نظاماً تسيطر عليه أقلية علوية تمارس استبداداً يطال أكثرية الشعب السوري الذي يعتنق السنّة مذهباً له.

تكاتف وتعاون عدد من المذاهب والطوائف لا يعني أنها تتحول شعباً موحداً، بل تبقى تجمعاً للطوائف والمذاهب، في حين أن العبور من المجموعات الطوائفية المتعددة إلى شعب واحد منصهر له شروطه، أهمّها بناء دولة مدنية مواطنية، الجميع فيها متساوون في القانون وأمامه. عندها يصير للحوار بين الأديان والطوائف أهمية احترام خصوصية كل دين أو مذهب. ولكن حتى ذلك الحين تبقى هذه الأنشطة تعمية للواقع وتشويه للمهام الملقاة على ناشطي المجتمع المدني ووسيلة للكسب المادي.

السابق
عقلنة العمل السياسي في لبنان
التالي
منصور لم يعلم بسفر سليمان إلى السعودية إلا من وسائل الإعلام