جربة أميركا التفاوضية مع إيران من جورج سانتيانا إلى ويندي شيرمان

منذ أكثر من قرن كتب جورج سانتيانا “الفيلسوف والكاتب الإسباني الحائز جائزة نوبل للآداب” أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكوم عليهم أن يكرروا ذلك الماضي”. لابد أنه كان يفكر بجون كيري وويندي شيرمان, لأن ثمة تاريخاً طويلاً من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران, وثمة الكثير مما نتعلمه من تلك المفاوضات. ربما جاء التعبير الأفضل والأوجز عن هذا بقلم بروس لينغن القائم بالأعمال الأميركي في طهران, في برقية مؤرخة في 13 أغسطس 1979 بعنوان”المفاوضات” نشرتها كاملة صحيفة “نيويورك تايمز” في 27يناير 1981 .

شارك بروس لينغن في مفاوضات صعبة مع الحكومة الثورية الجديدة في إيران. وكانت هناك تفسيرات كثيرة عن أسباب صعوبة تلك المحادثات, لكن بروس لينغن قال: “نعتقد أن الصفات الثقافية والنفسية الكامنة تفسر طبيعة هه الصعوبات, وستظل ثابتة نسبيا”.
وبعد تحليلات حادة جدا, استنتج بروس لينغن ستة دروس.
أولا: ينبغي للمرء ألا يفترض أبدا أن اتجاهه في القضية سيتم الاعتراف به, ناهيك عن أنه يستحق ذلك أم لا… والمفاوض يجب أن يفرض الاعتراف بموقفه على نظيره الفارسي”فهل مفاوضونا في هذه الأيام لهم القوة الكافية, أم أنهم سقطوا أمام الهجوم الإيراني الساحر؟

ثانيا: يجب ألا نتوقع أن يدرك الإيراني بسهولة مزايا وجود علاقة طويلة الأمد مبنية على الثقة”ولكن اليوم على المرء أن يتساءل إذا تبنت حكومتنا ما يسميه راي تاكيه من مجلس العلاقات الخارجية” سرد روحاني”, فروحاني إصلاحي ونحن يجب ان نساعده, فالتقدم في متناول اليد.
اذا كان هذا رأينا, فإن الإيرانيين سيأكلون مفاوضينا وهم أحياء.

ثالثا: “سوف لن يفهم المفاوضون الفرس الروابط والعلاقات بسهولة ولن يقبلوها” مرة أخرى, فان موقف التفاوض القوي والصعب يبدو مطلوبا.

رابعا: ينبغي للمرء ان يصر على الأداء كشرط لا غنى عنه في كل مرحلة من مراحل المفاوضات . وتبدو تصريحات النوايا لاقيمة لها تقريبا. “ومع ذلك فإن مفاوضينا مبهورون بكلمات روحاني الناعمة, رغم اعترافه بأنه قد استخدمها في الماضي لكسب الوقت بينما البرنامج النووي يتقدم.

خامسا: الاهتمام بالنوايا الحسنة من أجل حسن النية مضيعة للجهد”ومع ذلك يبدو أن مفاوضينا يفكرون بحسن نية وكأن هذا التفكير هو هدفهم الرئيسي, وإن هذا التفكير سيغير طبيعة علاقاتنا مع إيران. نود أن تكون هناك لقاءات جيدة, وتبادل للرأي بشكل جدي, والتعبير عن نوايا إيجابية. لدى مغادرته جنيف في نهاية الأسبوع الماضي”.
قال الوزير كيري: “بالعمل الجيد وحسن النية على مدار الأسابيع المقبلة, تمكنا, في الواقع, من تأمين هدفنا”. لكن فكرة بروس لينغن تعني بالضبط أنه لا يوجد حسن نية, لذلك من الحماقة بمكان أن نبحث عن ذلك, وحتى أن الحماقة الأكبر أن نعمل بجد من أجل ذلك.

وأخيراً, جاء في برقية بروس لينغن”ينبغي للمرء أن يكون مستعدا للتهديد بانهيار المفاوضات في أي لحظة, وألا يكون مذعورا من هذا الاحتمال”. يبدو ان المفاوض الفرنسي قد تعلم هذا الدرس أفضل منا بكثير. جاء الإيرانيون الى طاولة المفاوضات لأن العقوبات تضر بهم بشدة حالياً فهم لا ينسحبون بسرعة, حتى لو هددوا بذلك.
يبدو التعبير الفرنسي”كلما تغير هذا, كلما بقي الأمر نفسه” جديراً بما كنا نفكر به في برقية العام 1979 والمفاوضات الجارية حاليا. بقدر ما تتغير الأشياء, في وقت لاحق, فهي نفسها لأكثر من 34 عاماً.

بالمناسبة, أرسل بروس لينغن هذه الرسالة الى وزارة الخارجية الأميركية, كما أشرنا أعلاه, في 13 أغسطس 1979 . وبعد أقل من ثلاثة أشهر, أي في 4 نوفمبر, كان بروس لينغن واحداً من اولئك الذين خطفوا كرهائن في السفارة الأميركية في طهران. وحصلت صحيفة”نيويورك تايمز” على هذه الرسالة الموجهة للخارجية في عام 1980, ولكنها احتفظت بها عاما, ونشرتها في يناير 1981, عندما اطلق سراح بروس لينغن ورهائن آخرين.
تم الافراج عنهم في يوم تنصيب رونالد ريغان, وهذا في حد ذاته درس في كيفية الفوز في المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية.

السابق
ميقاتي: الامن ليس انتشاراً عسكرياً فحسب بل تحصين للسلم الاهلي
التالي
اسألوا جون كيري!