مصير الثورة السورية على المحك

جاء إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تشكيل ادارة مدنية في مناطق تواجده بعد يوم واحد من انتخاب الائتلاف الوطني السوري حكومة لادارة المناطق المحررة كتحدّ كبير يضاف الى التحدّيات الهائلة التي تواجهها الثورة السورية.
شقّت الثورة السورية طريقها الصعب في مواجهة البطش الدموي بالحراك السلمي المدني وبالمظاهرات الكبيرة المناهضة للنظام في أغلب المدن السورية، وبدأت آلة النظام الأمنية تتصدّع إثر انشقاقات ضباط وعناصر الجيش السوري النظامي، وأخذ مكوّن الثورة العسكري يتنامى، للحفاظ على الحاضنة الشعبية للثورة بداية، ثم للرد على هجمات النظام وصولاً الى استهداف مراكزه وقياداته.
بدأت الثورة تفرز قياداتها الميدانية عبر ‘تنسيقيات’ في المناطق والقرى والمدن فيما تتطلّع الى تمثيل خارجيّ يعكس هذا الحراك ويناضل لتحقيق مطالبه على الصعيد الدولي.
ترك الاستبداد آثاره العميقة على الشعب السوري فكوادر أحزابه السياسية ‘الجذرية’ مهشمة بعد عقود من التصفية والسجن والمطاردة، ولم يبق في الساحة سوى بضعة أحزاب قومية ويسارية مهمّشة شعبياً ومروّضة سياسياً بحيث تحوّلت الى عبء ثقيل على الثورة، فيما لعب بعضها أدواراً انتهازية تصبّ الماء في طاحونة النظام وهي تدّعي القرب من الشعب.
خبرة النظام السوري الهائلة التي وظفها في شؤون الحرب الأهلية اللبنانية وفي التدخلات الاقليمية في فلسطين والعراق والأردن وتركيا أعاد استثمارها في حربه ضد الثورة السورية، وكانت ورقته التي بدأ الاشتغال عليها منذ اليوم الأول هي تحويل الطابع المدني العام للثورة الى طابع طائفيّ.
أداته كانت ضخّ كوادر الاتجاهات السلفية المسلّحة التي استخدمها في العراق ولبنان واطلاق سراح الكثيرين منهم ولم يوفّر فرصة لتعزيز الطابع الطائفي في بطشه بمناطق معينة وتأليب قرى ضد قرى وطوائف ضد أخرى.
ترابط التخاذل الدولي الفظيع في اغاثة الشعب السوري والتطييف المستمر للأحداث مع ألعاب استخباراتية كبيرة بدءاً من روسيا المستثمر الأكبر في النزاع السني الشيعي لإبقاء خط النفط والغاز العربي مقطوعا عن اوروبا، وصولاً الى الورقة اللاعب الأكبر في الإقليم، إيران، التي وضعت أموالها ودعمها العسكري والاستخباراتي واللوجستي لنظام الأسد حماية لخطّ سيطرتها الامبراطورية الممتدة من افغانستان حتى لبنان.
وما لبثت قوى إقليمية أخرى أن وقعت في فخّ تحويل الثورة السورية الى نزاع سني شيعي فسهّلت هي أيضاً دخول ‘مجاهدين’ عرب وأجانب الى سورية الأمر الذي استثمرته ايران ونظام الأسد في تبرير تدخل حزب الله العسكري وفصائل أخرى بلغت حتى الآن 12 فصيلا من العراق واليمن وبلدان أخرى.
معززاً بالدعم الاستراتيجي السياسي والمالي والعسكري من حلفائه تمكن النظام من صدّ الهجوم الكبير للمعارضة السورية المسلحة، لكن الأهم من ذلك أنه استثمر تكتيكياً في التنظيمات السلفيّة المسلحة وخصوصا ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’، وفي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الحليف القديم للنظام والمحسوب في الآن نفسه على المعارضة، وبذلك حاصر الثورة السورية ومبدأها الأساسي: وحدة الشعب السوري ضد الاستبداد.
تواجه الثورة السورية الآن، وتشكيلها السياسي الأساسي، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أصعب لحظاتها، ولا عاصم لها إلا التأكيد على مبادئها الأساسية حول وحدة الشعب والتراب السوريين، والتمسك بالمبادئ الديمقراطية والمدنية للثورة، والاصرار على رحيل النظام الذي تسبب بهذه الكارثة التي تفوق التصور.
لا يبدو الطريق سهلاً أبداً، وخصوصاً في ظل هجوم دبلوماسي روسي يقابله تراجع أمريكي أقرب للتواطؤ مع النظام السوري وحلفائه، وتخبّط استراتيجي عربيّ، وإنهاك عسكري وسياسي للمعارضة.
مصير الثورة على المحك، فهل تستطيع النخبة السورية ان تستثمر الصمود العظيم للشعب السوري، وتجد حلولا لاشكالات الثورة المعقدة؟

السابق
وزيرة بريطانية: المسيحيون يواجهون خطر الانقراض
التالي
الحب الاول