التطبير ليس إلا: شوفيني يا منيرة

التطبير
هي مشهدية تشبه الى حد ما الشهداء العالقين تحت الركام في حرب تموز 2006 او ربما الاطفال المحروقين بالفوسفور في ضربة عناقيد الغضب 1996. لا شيء يعبر أكثر عن هول ما يفعله من يمارسون عادة التطبير حتى اليوم. والمسؤول ليس من يقوم بذلك بل من يحلل هذا الامر، ولا يمنع أتباعه من وقف هذا التصرف الذي يهين سيرة الحسين ويشوهها.

في التاسع والعاشر من محرم، وعلى الرغم من كل التحذيرات والتحريمات، لم يحرم بعض الشيعة “ضرب الحيدر”، بل ويعتبرونها بطولة حين ينزف الرأس الى حد الغثيان والتكريز. أطفال، شباب، وعجزة يضربون رؤوسهم فداء لابي عبد الله الحسين. لكن ما لا يعلمه هؤلاء ان ما يقومون به يعطي صورة سيئة عن إمام المحبة والرحمة، وسيرته، ويسبب إمتعاض كل الطوائف الأخرى او حتى من هم من الطائفة نفسها.

في حوار يسبح بالدماء، في القصيبة، جنوب لبنان، أكدت الحاجة أم عباس ياسين، ان “الي عنده عقيدة شيعية ما بغيّر أبدا”، وهذه السيدة ام لكل من عباس (27 عاما)، علي (25 عاما)، أحمد (23 عاما) ومحمد (19 عاما)، والاربعة يمارسون التطبير منذ كان عمر كلّ منهم سنة فقط. إذ يقوم والدهم، الموظف في جمعية الرسالة للاسعاف الصحي، بشطب رؤوسهم، ويطلب منهم أن يضربوا على رؤوسهم، ومن ثم يعالجهم: “فداء للحسين ولانه دمنا مش أرخص من دمو”.
في حين تقف عايدة ياسين (45 عاما)، مع عدد كبير من مسعفي الصليب الاحمر اللبناني، وسط عشرات الشباب المرميين على الارض، بين نازف الى حدّ “التكريز”، ونازف الى حدّ “الرجفة”، ونازف الى حافة “الموت”، لتساعد في معالجة المصابين.

عايدة، التي سارعت الى معالجة ابنها (7 سنوات) بعد ان اصابته كريزة أعصاب، إثر تنشقه رائحة الدم، ودخول كمية كبيرة منه الى القصبة الهوائية، ما سببّ له الاختناق، تقول انها تساعد في معالجة المصابين في عاشوراء منذ كان عمرها (12 سنة). فهي كانت مسعفة قديمة. لتكمل في حديث مع “جنوبية”: “بعد ان تركت اهل الضيعة ينقلون ابني الى المنزل للراحة، أعطاه الطبيب المعالج إبرة مهدئة للاعصاب كي تساعده على النوم”. وتتابع: “لا يهم ما بصير عليه شي، ربنا بيحميه فداء للحسين وآلامه”.
وفي مشهد آخر، وقفت إمرأة (28 عاما) مبتسمة أمام جسد شقيقها الضعيف، والمصاب بالاختناق، وفقدان الوعي النسبي، ما استدعى ان ينقله الصليب الاحمر الى المستشفى في النبطية لانه لم يستعد وعيه بعد وقت طويل، حتى بعد إعطائه الاسعافات اللازمة. ومع ذلك أكدت ان ابنها (5 سنوات) تأخذه بنفسها ليشطب رأسه ويقوم بضرب “حيدر”: “ما بصرلو شيء، ومثله مثل كل هالاولاد لعم يضربوا”.

لكن محمد سليمان (10 سنوات) يقول شيئا غريبا. فهو اعتاد على ضرب “حيدر” من “أنا وبالصف الاول الابتدائي، وغالب (صديقه الأكبر في القرية) بيشطب لي راسي، وكثير بكون مبسوط وبصير بصرخ: لبيك يا حسين”. وأكد محمد مهدي (11 سنة) أيضا ان “غالب من يشطب له رأسه”، وأضاف: ” أهلي بيقبلوا ومن انا وصغير بضرب راسي كرمال الحسين”.

والاغرب من هذا كله هنّ الصبايا اللواتي يقمن بجرح رؤوسهن وضربه، على وقع الاناشيد الحماسية. وهنّ ينظرن بكل اتجاه لمعرفة ما إذا تم إلتقاط صورهن، ليصبحن بطلات الحسين، وغالبا ما يكن غير محجبات، ولباسهن بعيد عن التدين.

في الحقيقة، لا يمكن ان نصل الى اي تفسير لما يحدث في بعض القرى الشيعية التي تسيطر على قرارها حركة “أمل”. هي مشاهد من شبّان يتصرّفون على قاعدة “شوفيني يا منيرة”. فلا رابط بين ضرب الرأس بالسيوف والعصي والجنازير وصرخة “حيدر” برواية ومظلومية الحسين (ع). صحيح اننا “طول العمر ما نتأخر عن خدمة الحسين”، ولكن ليس هذه الخدمة المريبة التي تشوه ثورة الحسين المحقة، وبطولته في ساحة المعركة مع أهل بيته.

السابق
تحية الى السيّد حسن نصر الله
التالي
اشكال مسلح في عائشة بكار وسقوط اصابات