ضد أميركا… ضد الوهابية

مات سعد الدين غيّة كما توقع دائماً… برصاصة. لم يسعفه مسدسه، خليله الدائم، ليدافع عن نفسه. بضع طلقات غادرة أردت رجل الدين الخمسينيّ سريعاً.
لم يعد الشيخ غيّة يشبه المدينة التي انطلق منها نحو العراق ليقاتل الغزاة الأميركيين عام 2003. يومها كانت تظاهرات ساحات الفيحاء تعجّ بأعلام العراق، و«الموضة» قضت حينها بحرق أعلام الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
بعد عودته من العراق، روى غيّة عن حالة الخيانة المستشرية في جسم الجيش العراقي، ثمّ عن تعرّفه إلى تنظيم «القاعدة» ومنهجه. «ذهب عن قناعة في سبيل الجهاد والاستشهاد»، كان يؤكد لعارفيه.
يحفظ الرجل جيداً ما سمعه من قائد تنظيم «القاعدة» في العراق (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين)، أبي مصعب الزرقاوي، «حين دخل رجل قال إنّه يريد الدعوة للدولة الاسلامية، فردّ الزرقاوي بحنق، نريد رجالاً للشهادة… رجال مستعدون للباس حزام ناسف… هذا هو عملنا».
عاد «المجاهد» إلى بلدته العكارية تكريت، التي لا يملك منزلاً فيها، حيث خطب في «الجامع الكبير». عظمت شهرة الرجل، منذ رحلته الجهادية، وهو كان قد زار أفغانستان الطالبانية عام 1997.
كان قد بدأ حياته السياسية والتنظيمية مع «حركة فتح ــ المجلس الثوري». يروي مقربّون منه أنّ تربيته أنتجت رجل أمن أكثر منه شخصية محنكة سياسياً. لا يستخدم الكثير من الأدبيات الدينية في حديثه، رغم أنه يحمل شهادة دكتوراه من كلية الشريعة في جامعة حلب، استحصل عليها يوم كان المفتي أحمد بدر الدين حسون ﺭﺋﻴﺴﺎً ﻟﻠﺠﺎﻣﻌﺔ. ظلّ يحتفظ بعلاقات طيّبة مع هذا الأخير حتى مماته.
أوقف غية في السادس من حزيران عام 2007 بـ«جرم تشكيل مجموعة مسلحة» خلال أحداث مخيّم نهر البارد، لكن سرعان ما أفرج عنه في الثامن من كانون الثاني عام 2008. لغيّة علاقة صداقة مع «أمير فتح الاسلام» شاكر العبسي بدأت منذ أيام «المجلس الثوري».
خلال «أحداث البارد» توسّط غيّة بينه وبين الشيخ كنعان ناجي. روى غية حينها أنّ ناجي أكّد للعبسي أنّه «لا يمكن اعلان طرابلس إمارة اسلامية… كل التجارب أثبتت ذلك».
كان في الفترة الأخيرة «مسترخياً» على ما ينقل من التقوه. «ما بيعملوها»، كان يقول باستمرار. حتى جاءت محاولة اغتياله في الثامن من أيلول الماضي، عندما زرعت عبوة في سيارته، أدّت إلى إصابات طفيفة في رجليه.
يوم الأحد الماضي، قال غيّة لشخص يتواصل معه على نحو شبه يومي: «هناك مسلسل اغتيال في طرابلس».
صديقه الطرابلسي يروي أنّ الشيخ فكّر في الآونة الأخيرة بالانتقال إلى منطقة آمنة، كمدينة زغرتا. لم يعد المبيت في شارع ابن سينا في محلة القبة «مزحة» بالنسبة للرجل المحسوب على فريق 8 آذار، والذي أعلن عداءه للوهابية في أبحاث نشرها سابقاً. كان يبيت في منزل والدته في تلك المحلة. كان يشيع ذلك كلما أراد تحدي من يخاصمونه. بلّغ غية أصدقائه في حزب الله بذلك، فنصحوه بمغادرة المدينة. لم يكن يملك الكلفة المالية لهذا الخيار. قبل يومين، نصحوه مجدّداً أنّ ينتقل إلى بيروت ليسكن في فندق بشكل مؤقت، فرفض.
لا مريدين للرجل الخمسيني، لا تلاميذ دين ولا مجموعات أمنية. كان فرداً ضمن مجموعة غير متماسكة لا تشبه السائد السياسي والديني حالياً. شخصية صعبة المراس، كثير المزاح… بنى موقفه من الأزمة السورية لمجرّد رؤيته «مشروع احتلال أميركيّ» آخر في المنطقة.
تكريت ستشيّع اليوم ابنا لم يحيا فيها، فيما ستعيش طرابلس يوماً «عاديّاً» آخر. لن تفتقد ذلك الشيخ الذي ترعرع في أزقتها.

السابق
سقوط «الإخوان» ينهي عصر «الحزب الحاكم»؟
التالي
التعايُش… بالتوافق لا الإكراه