ومثلي لا يُبايع مثله

لقد تكلَّم الإمام الحسين (ع) بهذه الكلمة ووقف عندها حتى انتهى الدور إلى أن ترجمها إلى فعل، فإن هذه الكلمة لا تنفصل عن العمل فهي كلمة دفاع عن صون لقضية أصبحت حياةً وموتاً ومقاومةً واستشهاداً ، ولا شك بأنَّ هذه الكلمة عندما تكون صادقة وتنطلق مخلصة لا تنطفئ شعلتها في غمرة العواصف أو العواطف وإنما تتألَّق عملاً وتتوهًّج نجاحاً وتشتعل مقاومة واستشهاداً ، أما إذا فاتها الصدق والإخلاص فما أفدح الكارثة وما أرخص الكلام…

من هنا ترجم الحسين (ع) هذا الموقف أمام السلطة الظالمة التي كانت تعجُّ بالفساد والرشوة والغش والظلم وعدم تكافؤ الفرص التي كانت منتشرة انتشاراً واسعاً ، ولم يكن يعاقب المجرم على جريمته ولا المعتدي على اعتدائه … انها سلطة تتحكَّم بمصائر الناس وتحتكر أرزاقهم وتتلاعب بمقدراتهم المعيشية ، لهذه الأسباب ولصمت الذين كان عليهم الكلام على هذه الأوضاع حتى أصبح اعتبارها الحالة الطبيعية للبلاد والعباد وارداً في الأذهان ، ولموت روح الانسانية ولهون الكرامات وسفك الدماء والقتل والذُل والتهجير من أجل السيطرة والنفوذ والبقاء في الحكم تحت مبرِّرات دينية ومذهبية … أليس من الأجدر بالحسين (ع) وأصحابه أن يتبعوها من أجل البقاء أو الأقل أن يسكتوا عن الحاكم الظالم من أجل الحفاظ على بقائهم ووجودهم. ولماذا الاحتجاج على أولئك الذين لم يناصرو ا الحسين (ع) وحفظوا أرواحهم وأرزاقهم بالركون والخضوع للسلطة الحاكمة … لذلك يأبى الحسين (ع) أن يناصر الظالم تحت أي ذريعة وأي تبرير وهذه سيرة جدِّه محمد (ص) وسائر الأئمة (ع) وما كانت ثورته الاَّ امتداداً للنهج الانساني والاسلامي الذي يرتفع عن مستوى الأطماع والنفوذ والأشخاص ، وأنَّ كل واحد منهم لم يقاتل بنفسه لنفسه أشخاصاً معينين وانما الأهم هو أن يقاوم نظاماً فاسداً وقاتلاً ليحُلَّ محلَّه النظام العادل والصالح كما جاء في كلامه (ألا ترون الى الحق لا يُعمل به والى الباطل لا يُتناهى عنه ) فلا غرو ان كربلاء الحسين ليست معزولة عن الحلقات التي ندرسها في جهاد الأنبياء والأوصياء انها جهاد من أجل المظلوم وتحرير الانسان من قيوده ودفعه الى كماله الانساني على أساس العدل والكرامة … ولهذا فانَّ الغاية لا تبرِّر الواسطة في نظر الامام الحسين (ع) فالغاية اذا كانت شريفة لا يجوز التوصل اليها بكل وسيلة لذلك لم يلجأ كغيره الى التبريرات والدعايات الكاذبة والشعارات المضلِّلة … انه يريد الوصول الى الحق لكن ليس عن طريق الباطل ويريد اقامة موازين العدل ومناصرة المظلومين لكن ليس عن طريق الجور والخداع والتغرير والتبرير كما قال أبوه من قبل (أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور) هذه هي رسالة الحسين (ع) ما كانت الاَّ لتحمل في جوهرها علم الثورة على الأوضاع الفاسدة مستهدفة من وراء ذلك شرف الانسان وسعادته ، هي رسالة الى تغيير تلك الأوضاع التي عصفت بمقدرات المستضعفين في الأرض … وهذا ما يعزُّ على أصحاب النفوذ والسلطة والأحزاب والمال والجاه على حساب المظلومين والضعفاء … (اننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).

السابق
طهران: لا تفريط بالورقة السورية وبـ«حزب الله»
التالي
الاعور: على الجميع التحاور لانقاذ اللبنانيين من الوضع المأساوي