ماذا وراء تصعيد «حزب الله» المفاجئ؟

الحملة التهديدية والتخوينية التي يشنّها نواب “حزب الله” وصلت مع النائب محمد رعد إلى حد التلويح بقلب الطاولة وقطع الأيدي، تتناقض مع خطاب النصر الذي ألقاه السيّد حسن نصر الله واستند فيه الى التطورات الميدانية السورية التي أصبحت، برأيه، لمصلحة النظام.
هذا الخطاب الذي دعا فيه المملكة العربية السعودية الى استلحاق نفسها باغتنام فرصة مؤتمر “جنيف – 2″، “لأنّ الزمن الآتي ليس لمصلحتكم”، ودعا قوى 14 آذار إلى القبول بما أو معروض عليها الآن ويمكن الّا يظلّ معروضاً، أي بحكومة جديدة على اساس صيغة 9-9-6 بعد فشل رهاناتها وسياساتها التي بَنتها على اساس ان النظام السوري سيسقط.
فلو كان “حزب الله” في الموقع المنتصِر لَما كان مضطراً إلى رفع سقفه السياسي واللجوء الى أسلوب التهديد واستخدام مصطلحات قطع الأيدي وقلب الطاولة في إشارة الى أحداث 7 أيار.
وبالتالي، هذا التوتير في خطاب الحزب هو أكبر دليل على أزمته السياسية المتأتية من العوامل الآتية:
أولاً، تأكيد النائب وليد جنبلاط على وسطيته ومواصلة دعمه لتمام سلام ورفضه تأليف حكومة أمر واقع كما رفضه تأليف حكومة لا تضمّ “المستقبل”، أدى إلى إسقاط رهانات الحزب على قلب الطاولة دستورياً عبر الكلام عن أكثرية نيابية باتت بحوزته مع انضمام الاشتراكي إلى 8 آذار.
ثانياً، تمسّك قوى 14 آذار بموقفها الرافض تأليف حكومة مع “حزب الله” قبل خروجه من سوريا، وإصرارها على استبدال “جيش وشعب ومقاومة” بـ”إعلان بعبدا” في أيّ بيان وزاري، أفقدَ الحزب فرصة الحصول على غطاء وطني يتسلّح به لمواصلة قتاله السوري ومواجهته مع المجتمعين العربي والدولي، كما أفقده فرصة تحويل الثلث المعطّل إلى عرف ثابت في أيّ حكومة في المستقبل.
ثالثاً، رفض الرئيس نجيب ميقاتي التجاوب مع الدعوات لعقد جلسة حكومية، كما حضور جلسات مجلس النواب قبل تفسير مهمة تصريف الأعمال وتوضيحها، عَطّل محاولات الحزب للتشريع بمعزل عن الحكومة سعياً إلى تحويل الرئاسة الثالثة إلى رئاسة شكلية.
رابعاً، انفتاح “التيار الوطني الحر” على “المستقبل” أظهر بالحد الأدنى تمايزاً مع “حزب الله” الذي يشنّ حملة تهديدية على “المستقبل”، هذه الحملة التي من أهدافها تحذير التيار العوني من مغبّة توسيع هامش انفتاحه، والتذكير بقواعد الصراع والتموضعات القائمة، فضلاً عن أنّ نأي التيار بنفسه جعل الحزب يدخل مباشرة في هذه المواجهة التي يحاول تلافيها تجنباً للحساسيات المذهبية، خصوصاً أن أيّ هجوم من قبله على “المستقبل” يزيد من التفاف الطائفة السنية حوله.
خامساً، تأجيل مؤتمر “جنيف – 2” الذي كانت تعوّل عليه إيران لاستبعاد المعارضة السورية والسعودية، إذ إنّ رفض المعارضة المشاركة بسبب تجاهل مطالبها يُخلي الساحة امام النظام السوري، ورفض السعودية المشاركة بسبب دعوة ايران يجعل طهران شريكة في تقرير سياسات المنطقة ويُفضي الى عَزل الرياض.
سادساً، تضامن واشنطن مع مطلبي المعارضة السورية باستبعاد الرئيس السوري عن المرحلة الانتقالية، والسعودية باستبعاد ايران عن “جنيف – 2” بفِعل تدخّلها في سوريا ودورها على مستوى المنطقة، أفقد الحزب صوابه بعد لَمسه لمس اليدّ أن كل الكلام عن تحوّل في الموقف الأميركي هو وَهم.
سابعاً، فَصل الولايات المتحدة بين الملف النووي والملف السوري وسائر الملفات في المنطقة، حيث أكدت جولة وزير الخارجية الأميركية إلى المنطقة أن لا مقايضة بين الملف النووي والدور الإيراني الإقليمي.
ثامناً، انتقاد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عجز المجتمع الدولي عن التصدي للجرائم التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه، وتأكيده على استمرار قطر في دعم نضال الشعب السوري، أسقط الادعاءات والأوهام التي تحدثت عن تحييد قطر على طريق ضمّها إلى محور الممانعة.
فالتوتر المستجِد في خطاب “حزب الله” مَردّه إلى كل الأسباب المُشار إليها وغيرها، هذه الأسباب التي تثبت مدى حراجة وَضع الحزب، ما دفعه إلى رفع السقف مُهدداً بقلب الطاولة.

السابق
قضايا الأطفال في الإعلام: مشكلة مضامين ومؤهلات مهنية
التالي
الأميركيون: عين على الاستقرار وعين على النفط