لماذا لا يحيي السنّة ذكرى عاشوراء؟

عاشوراء
المؤسف والجرح النازف يكمن في تبني الشيعة للذكرى وإسقاطها على بعض معاركهم من جهة، وإهمال أهل السنّة للذكرى نفسها حتى بدوا في لباس الخصم. والذي يحزّ في القلب هو أنّ مناسبة بحجم وعظمة ذكرى عاشوراء، ينحصر إحياؤها بين المسلمين الشيعة دون سواهم في حين أنها مدرسة فكرية واجتماعية وأخلاقية جامعة، تصلح لتكون رسالة إنسانية بامتياز.

عاشوراء هي تلك الوقفة التي لم ترقَ اليها مبالغ الثورات، فهي  العدل والفداء والشجاعة، تلك الوقفة التي جمع فيها سيدنا الحسين عليه السلام بين فداء جده إبراهيم الخليل وعدالة رسالة جده الرسول الأعظم محمد (ص) وشجاعة أبيه علي أمير المؤمنين (ع) . في عاشوراء الذكرى رسالة خالدة، عابرة للدهور والدول، للأديان والملل. رسالة أراد الله من خلال عبده ووليه الحسين بن علي (ع) أن يؤكد أن لا صوت يعلو فوق صوت الحق، وأن لا ثمن يغلو في سبيل إحقاقه.

بين الوقفة الحسينية الكلانية الحق، وبين الوقفة الزينبية الرسالية النهج، خلاصة الدين الإسلامي الحنيف، دين إبراهيم قبل محمد (وما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما) آل عمران 67. إذن الإسلام هو المبتدى والمبتغى، واستذكار واقعة كربلاء ليست إلا مناسبة لتأكيد مكانة الحق العدل في الحياة البشرية كصراط الى الكمال، وأن لا قيمة لمنصب أو مركز أو ثروة أو حتى للروح والعرض في مقابل إحقاق الحق ورفض الظلم ورفعه، ومن هنا كانت كلمة الحسين الشهيد الخالدة: الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار.

اليوم، لا شك بأن جذوة الموقف الحسيني  لم تنطفئ، وثمة رجال قدموا أرواحهم قربانا للحق، لكنّ الأمر المؤسف والجرح النازف يكمن في تبني الشيعة للذكرى وإسقاطها على بعض معاركهم من جهة، وإهمال أهل السنّة للذكرى نفسها حتى بدوا في لباس الخصم.

والذي يحزّ في القلب هو أنّ مناسبة بحجم وعظمة ذكرى عاشوراء، ينحصر إحياؤها بين المسلمين الشيعة دون سواهم في حين أنها مدرسة فكرية واجتماعية وأخلاقية جامعة، تصلح لتكون رسالة إنسانية بامتياز. ولعل الجانب الأهم من المسؤلية يقع على الجهة المتبنية لإحياء الذكرى، سواء لمبدأ الإحياء أم لأسلوبه . فمن الغبن تقديم المعركة على أنّها معركة من أجل الملك بين بني هاشم وبني أمية، ومن الغبن أيضا إجراء مقارنة بين سيدنا الحسين (ع) ويزيد بن معاوية. معركة كربلاء كانت بين طرف يمثل الحقّ ويدافع عنه وبين طرف مارق ظالم مفسد لا دين له ولا مذهب ولا ملّة. وعليه فإن الصحيح يكون بالعمل على جعل القضية الإنسانية الأصيلة التي ناضل واستشهد من اجلها الحسين بن علي قضية إنسانية عامة دون إسقاطها على مظلومية طائفة وجور أخرى.

العاشر من المحرم يجب أن يكون اليوم العالمي لرفض الظلم، شعار نرفعه ونباهي به بين الأمم بأنّنا نحن المسلمون، وبشخص سيد الشهداء الحسين بن علي، قد كنّا المثال الأعلى في رفض الظلم ورفع راية الحق تحت حد السيف .

أما الدعوة للثأر فهي المقتلة الأكبر، فمن سيثأر ممن؟ وهل في الكون من يعلن بأنّه مع قتل الحسين وذبح عياله حتى بعد مرور أكثر من 14 قرنا فنثأر منه؟

لكن في المقلب الآخر هناك من المسلمين من يهمل ذكرى عاشوراء ولا يأخذ من بعدها الفكري والديني والإنساني مدخلا لإحيائها كمناسبة إسلامية جامعة.

لا بدّ أخيرا من تحديد غاية المقال، فمهما بلغت كلفة إحياء ذكرى عاشوراء، ودرجة تنظيمها وعدد جمهورها، فإنّ ذلك لا يعفينا جميعا من واجب إعادة توجيهها كذكرى وعبرة وخطاب إلى كل ذي لبّ وعقل ثم لكلّ ذي خلق ثم لكلّ ذي دين قبل أن تكون لكل المسلمين.

السابق
اعتصام للجسم الطبي في مستشفى المقاصد
التالي
التيارالاسعدي: التجسس الاسرائيلي استباحة خطيرة للبنان