نافذة الفرص

”يجب على رئيس الوزراء في اسرائيل، كل رئيس وزراء، أن يكون غير سوّي اذا نام في الليل ككل انسان. ليس الحديث فقط عن الساعة المتأخرة في الليل التي يعود فيها الى بيته وسريره، ولا عن رنين الهاتف في آخر ساعات الليل الذي يمزق خيوط النوم، ولا السن المتقدمة فقط التي تصبغ الشعر باللون الرمادي والابيض. وليست الغضون التي تظهر بالقرب من العينين ثمرة إهمال تجميلي بل هو القلق الذي يقض المضجع ويُظهر الغضون عميقة في الوجه.
يعلم رئيس الوزراء في اسرائيل، كل رئيس وزراء، برغم التصريحات الحماسية والثقة المفرطة بالنفس والايمان بقدرة دولة اسرائيل على كل شيء، يعلم مبلغ دقة وهشاشة الخط الذي يفصل بين النجاح والفشل، وبين البقاء والفناء. وقد كانت السنة الاربعون بعد حرب يوم الغفران ومراسمها تذكيرا آخر مُراً بكثرة الاشياء المتعلقة به ومنها حياتنا وموتنا ايضا. ويمكن أن نقول بلغة شعرية إن الوزراء وقادة الجيش الاسرائيلي وكل المسؤولين الكبار مسؤولون عن رؤوسنا.
إن رئيس الوزراء السوي هو الذي يفكر ويُعد كل شيء لما بعد غد لا الغد، فقد أصبح الغد هنا وكان يجب أن يفكر فيه رؤساء وزراء سابقون. وكيف يستطيع رئيس الوزراء حتى لو استعان بأفضل العلماء والمتنبئين والمختصين، أن يعلم بما سيكون؟.
إن كل اسرائيلي سوي، وما زال يوجد عدد من أمثال هؤلاء في دولة اسرائيل الى الآن، فرح ومبتهج في هذه الايام وهو أمر طبيعي جدا، فمصر تحترق وسوريا تشتعل ولبنان تتمزق وايران تضعف والولايات المتحدة فقدت شيئا من سيطرتها علينا، وروسيا بعيدة تغلي من الداخل.
وهذه بالضبط هي القضية: إن رئيس الوزراء الذي تجره الأحداث الى داخلها بدل أن يصوغها أو أن يستغل ‘نافذة الفرص’ على الأقل يخطأ نحو كل ولد يولد في اسرائيل هذا الصباح. فلا يجوز لرئيس الوزراء ومن حوله وفيهم وزراء الحكومة أن يستريحوا لحظة واحدة على باقات الزعتر والكسبرة للجيران، فعليه وعليهم أن يفكروا جيدا بما سيحدث هنا في ميداننا الذي يغلي حينما تخبو النار.
حينما يقفون جميعا في مصر اصدقاء كتفا الى كتف. ويعود الجميع في سوريا ليعيشوا تحت سقف وطني واحد أو تنقسم الدولة السورية الى عدة دول. ويسيطر حزب الله في لبنان على القليل الذي بقي له هناك ليسيطر عليه أو يُطرد من الارض اللبنانية. وتُزهر ايران وتنمو برغم العقوبات الاقتصادية أو ترفع الراية البيضاء وتتخلى عن حلمها الذري. يجب أن نفرض بل من المنطق أن نفرض أنه في ذلك اليوم في المستقبل الذي يبدو بعيدا الآن بعد ثلاث سنوات أو خمس أو عشر، سيكون عنوان واحد لكل الأعداء اللدودين في الشرق الاوسط ألا وهو اسرائيل التي هي ‘الفيلا في الغابة’ التي تبدو الآن الحلم اللذيذ لكثير من قادة العالم العربي. فماذا سيكون آنذاك؟ هذا هو القصد بالضبط حينما نتحدث عن ‘نافذة الفرص’، أن نعرف كيف نستغلها وأن نفتحها واسعة لأجل دولة اسرائيل ولصالحها.
‘يصعب أن نُصدق، بيد أن الأحداث الاخيرة في العالم العربي تجعل دولة اسرائيل تواجه فرصا جديدة في خط مصالح واحد حاد واضح مع عدد من الدول المسلمة التي تُعرف بصراحة بأنها دول عدو. واليكم ‘سبقا’ صحفيا: إن الدول الأشد عداءا لاسرائيل قد أجرت في الماضي ويمكن أنها تجري اليوم ايضا صلات مباشرة أو غير مباشرة بدولة اسرائيل. ويشخص مبعوثون على التوالي الى لقاءات مع الأعداء كي يسمعوا ويُسمعوا ويبحثوا بصورة مشتركة ويتفقوا على ألا يتفقوا.
‘إن الأحداث السياسية والامنية التي تُرى وتُقرأ وتُسمع اليوم مثل حلم مجنون هي واقع الغد. والأعداء الذين يطلق بعضهم على بعض النار اليوم قادرون على أن يقفوا بعد غد في نفس المكان وأن يطلقوا النار على عدو مشترك آخر. العالم اليوم ينقلب أمام أعيننا ومن المرغوب فيه جدا أن ينقلب ليكون في مصلحتنا. وهناك شيء كثير متعلق باستغلال ‘نافذة الفرص’. وشيء كثير متعلق برئيس وزراء خلاق يتقلب على فراشه في الليل. فاذا كان ينام في هذه الليالي نوما طبيعيا فهو اذا غير طبيعي.

السابق
سلب مواطنين اثنين على طريق شتورة المصنع
التالي
تكتيك فلسطيني