تكتيك فلسطيني

‘في السادس عشر من تشرين الاول في هذا العام وفي الرابع والعشرين من ذلك الشهر، في اطار ذكرى اسحق رابين وبعد ذلك في مؤتمر الدبلوماسيين، عاد الرئيس شمعون بيرس وزعم أن اتفاق اوسلو ‘مهد الطريق للمحادثة والسلام’. فهل يصمد زعمه لامتحان الواقع؟.
بسط بيرس تصور اوسلو العام في كتابه ‘الشرق الاوسط’ وخطبة خطبها في سنة 2000 في معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط. ‘لم يعد النظام الدولي يقود الى حروب’، كتب الرئيس، ‘إن السلام هو الأمن… وحدود الأسلاك الشائكة وحقول الألغام والمواقع العسكرية لم تعد ذات صلة… وإن فندقا جيدا على الحدود يُقدم من السلام والأمن أكثر من موقع عسكري… ولم يعد نشوب حرب ممكنا الآن… وأنا في شك من استعمال الفلسطينيين للارهاب مرة اخرى…’.
إن التصور العام لمؤيدي اتفاقات اوسلو يتحطم في هذه الفترة على صخور الشرق الاوسط الواقعي والتسونامي العربي. وقد قلل مفكرو اوسلو من قوة خصائص الشرق الاوسط منذ 1400 سنة وهي العنف وكراهية الآخر والخيانة وعدم الثقة والانقسام العنيف الديني والعرقي والفكري والجغرافي، وعدم سلام عربي عام، ونكث اتفاقات بين العرب، وكون الاتفاقات مؤقتة، وعدم الحرية الدينية وحرية التعبير.
كتب الدكتور يوفال أرنون أوحنا من جامعة اريئيل الذي كان الباحث الأكبر في المؤسسة في الشأن الفلسطيني، في كتابه ‘خط الحراثة والنار 150 سنة صراع′، أن اتفاق اوسلو خلّص منظمة التحرير الفلسطينية من هاوية النسيان. وذكر أنه في 1990 ‘قطع العالم العربي صلاته بمنظمة التحرير الفلسطينية وقطع تحويل الاموال اليها على أثر مشاركة المنظمة في غزو العراق للكويت. وقطعت الولايات المتحدة المحادثات مع منظمة التحرير الفلسطينية. واحتضرت الانتفاضة الاولى منذ 1991. ولم تنعش منظمة التحرير الفلسطينية نفسها من اغتيال خليل الوزير في 1988، وصلاح خلف في 1991، وأساءت قضايا فساد صورتها في نظر الفلسطينيين’.
‘وغيرت اوسلو سياسة اسرائيل تغييرا حادا واستراتيجيا وملموسا وشمل ذلك بوادر حسن نية لم يقم بها العثمانيون والانتداب البريطاني والاردن ومصر والجامعة العربية ومنها نقل أجزاء من الوطن الى ألد الأعداء، والدفع قدما بالسيادة الفلسطينية، وفتح أبواب البيت الابيض لعرفات واستيراد 70 ألف فلسطيني من معسكرات ارهاب في الدول العربية.
‘وفي مقابل ذلك تغيرت منظمة التحرير الفلسطينية تكتيكيا فقط وتمسكت باستراتيجية ‘الميثاق الفلسطيني’، متناولة اتفاق اوسلو على أنه أداة لتحقيق الغاية الاستراتيجية وهي ترى اسرائيل ارضا وقفية للمسلمين بوعد إلهي. وبيّن عرفات وأبو مازن أن اتفاق اوسلو مؤقت ويرمي الى القضاء على اسرائيل. ونكثت السلطة الفلسطينية وتنكث اتفاقات، وانشأ أبو مازن جهاز تربية على الكراهية. وتفجرت موجة ارهاب لم يسبق له مثيل في نيسان 1994 وأفضت الى أكثر من 1600 خسارة من الأرواح، أي أكثر مما كان في السنوات العشرين التي سبقت اوسلو بخمسة أضعاف. وقُتل 160 في الانتفاضة الاولى قبل اوسلو قياسا بـ 1000 في الانتفاضة الثانية. وفي حزيران 2001 قال فيصل الحسيني إن اتفاق اوسلو منح الفلسطينيين حصان طروادة الذي يدفع قدما بانشاء دولة فلسطينية من النهر الى البحر.
إن سلوك السلطة الفلسطينية متسق بازاء سلوك القيادة الفلسطينية التي طُردت من مصر وسوريا والاردن ولبنان والكويت بسبب التآمر والخيانة. وإن امتحان الواقع على حسب علم جون كيري الذي هبط أمس في اسرائيل مرة اخرى، يُثبت أن النمر الفلسطيني بخلاف تصور اوسلو العام لا يغير طبيعته بل تكتيكه فقط.

السابق
نافذة الفرص
التالي
وفاة والد سليمان بعد أيام على رحيل والدته