السفير: بري يتحدى ميقاتي وجنبلاط يحتمي بواقعيته طرابلس متروكة للقضاء والقدر

كتبت “السفير ” تقول:  بقيت طرابلس مقيمة في منطقة الخطر، المفتوحة على المجهول. تبدو المدينة هذه الايام كأنها تسير فوق حافة رفيعة تطل على هاوية الفتنة.
والمفارقة، ان عاصمة الشمال متروكة لمصيرها، حتى تكاد تُعلن مدينة يتيمة، إذ لا يوحي أداء الدولة انها تقدر بالفعل حراجة الموقف في طرابلس التي باتت تحتاج الى “جراحة” عاجلة، يجتمع فيها المبضع مع الحكمة.
ليس هناك في سلوك المسؤولين ما يؤشر الى انهم يدركون ان طرابلس تقف حقا على فوهة بركان، قابل للانفجار في أي لحظة، مع ما سيعنيه ذلك من انتشار الحمم المذهبية على مسافات بعيدة.
لم تعد المعالجات التقليدية تكفي لاحتواء الاحتقان المتصاعد في جبل محسن وباب التبانة وصولا الى العمق العكاري. والاخطر من ذلك ان الوقت يضيق وقد لا يسعف من يعتمد سرعة السلحفاة في السباق مع.. الفتنة.
وإزاء ترك الامور في المدينة لقوة الدفع الذاتي، يزداد الوضع تعقيدا يوما بعد آخر، بينما تداخلت العوامل القضائية بتلك السياسية في ملف تفجير مسجدي التقوى والسلام بعد استدعاء الامين العام لـ”الحزب العربي الديموقراطي” علي عيد الى التحقيق ، ثم إصدار بلاغ بحث وتحر في حقه، والادعاء عليه بجرم إخفاء مطلوب للعدالة وتهريبه إلى سوريا، وهو مسار رفض الحزب التجاوب معه، لعدم ثقته بفرع المعلومات، ما انعكس مزيدا من شد الخناق على سكان جبل محسن.
وقد تزامنت هذه التطورات مع تعزيزات عسكرية للجيش السوري في المنطقة الحدودية المقابلة لمنزل عيد في حكر الضاهري في عكار، ما طرح تساؤلات حول خلفياتها وتوقيتها، وهل هي إجراءات روتينية أم أنها رسالة مضادة بعد صدور مذكرة البحث والتحري بحق عيد؟
وفي غضون ذلك اوقف الأمن العام عند معبر العبودية الحدودي المدعو شحادة شحود المتهم بتهريب المتورطين في تفجيري طرابلس، وسلمه الى فرع المعلومات.
وبينما كان “الحزب العربي الديموقراطي” قد أعلن عن نيته تنظيم مسيرة سلمية من جبل محسن الى ساحة عبد الحميد كرامي، يوم الجمعة المقبل، قال مسؤول العلاقات السياسية في الحزب رفعت عيد لـ”السفير” انه تقرر إلغاء هذه المسيرة، مشيرا الى ان “رفض وزير الداخلية مروان شربل منحها الترخيص يعني انه لا يوجد أمن في طرابلس، وان الدولة التي لا تستطيع حماية مسيرة لا تستطيع بالتأكيد حماية طائفة، وبالتالي فقد أصبحنا امام دولة تشرّع شريعة الغاب وتحرض المواطنين على اعتمادها، وعليه لا يلومني أحد بعد اليوم إذا تعذر علي ضبط ابناء جبل محسن الذين يتعرضون لاعتداءات، وأنا لا أمزح في ذلك”.
وأعرب عيد عن خشيته من ان تقود التراكمات الى اندلاع جولة جديدة من المعارك في طرابلس، “لان هناك قرارا سعوديا متخذا بالتفجير”، منبها الى ان هذه الجولة ستكون مختلفة عما سبقها، وقد تقود الى حرب أهلية تبدأ من طرابلس لكنها لن تتوقف عندها.
أما اللواء اشرف ريفي فأبلغ “السفير” ان حالة الاحتقان التي افرزها تفجيرا طرابلس لا تزال تتفاعل وتتفاقم، مشددا على ان العدالة وحدها هي التي بإمكانها تبريد النفوس المتشنجة. واعتبر ان “التهديدات لا معنى لها، وإذا كان المقاتلون في باب التبانة يعانون من نقص في السلاح فان جبل محسن يواجه نقصا في التموين”.
ونفى حصول حصار متعمد لمواطني “الجبل”، لافتا الانتباه الى وجود حواجز نفسية لا عسكرية تسبب ما يشبه الحصار. وأكد ان “8 آذار لم تكن وفية لنجيب ميقاتي لانها ورطته وحكومته في أحداث طرابلس المتكررة”. وأكد ان الحل للازمة الراهنة يكمن في مثول علي عيد امام القضاء المعني وحده بان يقول الكلمة الفصل، مستغربا لجوء “جماعة عيد” الى تهريب المتهمين بالتفجيرين، بدلا من ان تساعد في تسليمهم، مشيرا الى ان هذا التصرف هو الذي أثار الريبة.

سخونة سياسية
في المشهد السياسي، ذهب النائب وليد جنبلاط بعيدا في واقعيته السياسية، معيدا تكييف وسطيته مع مستجدات الازمة السورية. وفي مقابلة مع برنامج “كلام الناس” عبر شاشة “المؤسسة اللبنانية للارسال” شدد على انه لن يسير بحكومة امر واقع، لأن مكونا اساسيا كـ”حزب الله” و”أمل” ربما ينسحب منها فتصبح غير ميثاقية وعندها سأسحب وزرائي ايضا.
واعتبر انه من الافضل تنظيم الخلاف السياسي داخل الحكومة بدلا من التراشق خارجها، مؤكدا انه لم يخذل السعودية، “وكنت اقول انه لا يمكن ان نستدعي الازمة السورية الى لبنان ويجب ان نحيد انفسنا قدر المستطاع ثم نادينا بالتمثيل السياسي لحزب الله مع الثلث المعطل”، معربا عن تأييده حكومة 9-9-6 التي طرحها الرئيس نبيه بري.
ورأى ان الدخول الى سوريا من الجهتين قرار غير لبناني، “ربما عند حزب الله هذا امر عمليات لبناني – ايراني، اما عند الفريق الآخر فهناك تشتت، وهذا خطأ تاريخي من الطرفين، لكن لنترك هذا الموضوع ونعالج المواضيع الآنية وحاجات المواطن”.
وتابع ان “الحوار الاميركي – الايراني اذا انتج فقد يؤدي الى انسحاب حزب الله من سوريا، وليست قدرتي او قدرة سعد الحريري سحبه، وبالتالي يجب ان ننسى الموضوع، وان ننسى سلاح حزب الله، وألا نعلق كل الاوضاع في البلد في انتظار انسحاب الحزب وغيره من سوريا، وفي انتظار التسوية الاميركية – الايرانية”.
وبينما يزور الرئيس المكلف تمام سلام الرئيس ميشال سليمان في قصر بعبدا قبل ظهر اليوم، قالت مصادر سليمان لـ”السفير” ان أي موعد لم يحدد بعد لزيارته المرتقبة للسعودية، خلافا لكل ما يشاع على هذا الصعيد، مشيرة الى ان الاتصالات مستمرة لترتيب موعد الزيارة.
في سياق آخر، سجلت سخونة على محوري عين التينة – السرايا وعين التينة – تيار المستقبل، انعكاسا لحالة الفراغ وعوارضها الجانبية.
فقد اعتبر الرئيس نجيب ميقاتي امام زواره أنه “عندما وضع المشرّع مبدأ تصريف الأعمال لم يكن في باله أبدا أن هذه المدة ستتجاوز الحد المعقول لتشكيل حكومة جديدة”. وتمنى على رئيس مجلس النواب نبيه بري “دعوة المجلس إلى الانعقاد لتفسير مهمة تصريف الأعمال وتوضيحها”.
وقال بري لـ”السفير” ردا على ميقاتي: ما الضمانة إذا تجاوبت مع اقتراحه ان يحضر الجلسة النيابية، وكيف يمكن ان استجيب لطرحه ما دام يقاطع الجلسات، إلا إذا كان المطلوب اللف والدوران وصولا الى تعويم الحكومة.
واستغرب بري ربط الرئيس فؤاد السينورة وتيار “المستقبل” بين تشكيل حكومة جامعة وانسحاب “حزب الله” من سوريا، وقال: لا أدري ما العلاقة بين الامرين.. وفي الاساس لو كنا متفقين، ما كان هناك من داع للجلوس حول طاولة واحدة في حكومة وحدة وطنية، نريد من خلالها ان نعالج هموم الناس وان نحاول تسوية خلافاتنا، او أقله تنظيمها.. فهل هذه جريمة؟
ولفت بري الانتباه الى ان “المطروح هو ان يحصل الطرفان الاساسيان في الحكومة على الثلث الضامن، وهذا يعني ان فريق 14آذار سيكون الرابح الاول، لانه ليس موجودا أصلا في حكومة الرئيس ميقاتي”.
وكانت كتلة “المستقبل” النيابية قد رأت بعد اجتماعها الاسبوعي برئاسة السنيورة ان “فتح باب الانفراجات السياسية في لبنان يبدأ بالعودة الى قواعد الاجماع الوطني وفي مقدمها الالتزام بإعلان بعبدا، وبانسحاب حزب الله من سوريا، وهما الأمران اللذان يشكلان معا القاعدة الضرورية لبدء البحث في تشكيل حكومة سياسية جامعة”.

السابق
النهار: سلام إلى الشهر الثامن محاصراً بالأزمة
التالي
الديار: اميركا واوروبا المسيحيتان تدعمان داعش والنصرة والمسيحيون مهجرين