الحزب الذي تنتظره مصر

بدون حزب ثوري، سوف تظل الثورة المصرية تراوح مكانها، تعجز عن التقدم، وربما تنتكس، وكما جرى من قبل بحكم جماعة الإخوان، أو كما يتناوشها الآن خطر العودة لحكم جماعة مبارك، أو ما يشبهه، خاصة لو جرت الانتخابات البرلمانية المقبلة بالنظام الفردي الذي يهدر أصوات غالبية الناخبين، ويعطي المجال واسعا لتأثيرات المال والبلطجة والعصبيات العائلية.

(…) صحيح أن ثمة أحزابا صغيرة نشأت بعد الثورة، وبدا بعضها بدرجة أو بأخرى قريبا من روح الثورة، لكن علة النقص ظلت سارية، فليس من حزب كبير مؤثر يصلح كعمود فقري ناظم للحالة الثورية، ويشد إليه ما سواه من الأحزاب والجماعات والحركات الأصغر وزنا وتأثيرا، وبدا أن ‘التيار الشعبي’ الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي هو الأكثر تأهيلا للمهمة المطلوبة، فلديه صلات تداخل منظورة مع جماعات اليسار الناصري والماركسي، ومع حركة ‘كفاية’، التي نشأت من قلبها في ما بعد مبادرة حملة ‘تمرد’، ومع عدد هائل من المبدعين والشخصيات العامة في كافة المجالات، لكن ‘التيار الشعبي’ لم يعلن نفسه حزبا بعد، وهذه هي المشكلة الجوهرية، التي حاولت مع غيري تجاوزها بإقامة تحالف سياسي ثوري ثابت، وعلى أساس من الفكرة العامة الهادية لصفات الحزب الثوري المطلوب في ظروف مصر الراهنة، وكادت المساعى تنجح، وبلورت كيانا حمل اسم ‘ائتلاف الوطنية المصرية’، كان لي شرف صياغة بيانه التأسيسي الأول، وضم الإئتلاف ـ إلى جانب ‘التيار الشعبي’ ـ أحزاب اليسار وأحزاب الناصريين وحركة ‘كفاية’، وامتد ليشمل أحزاب الليبرالية الاجتماعية، كحزب ‘الدستور’ و’الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي’ وحزب ‘مصر الحرية’، وجرى اختيار الدكتور محمد غنيم ـ عالم مصر المرموق ـ منسقا عاما للائتلاف، وما كاد يتم الإعلان الأول عن الكيان الجديد، حتى تدافعت الحوادث في اتجاه عاصف، فقد أصدر مرسي إعلانه ‘الدستوري’ المنكود في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، واجتمعت دواعي الرفض على نطاق أوسع، وأجمعت فئات من اليمين مع الوسط واليسار على معارضة مرسي، ولجأت مجددا إلى حركة الشارع، وتكونت ‘جبهة الإنقاذ الوطني’ التي ذابت فيها أطراف ‘ائتلاف الوطنية المصرية’، ثم نشأت بعدها بشهور حملة ‘تمرد’، التي انتهت إلى إطاحة مرسي في ثورة 30 يونيو 2013، التي بدت كموجة ثالثة في سيرة ثورة بدأت في 25 يناير 2011، لكن الصورة نفسها عادت للتكرار، تقوم الثورة فلا تحكم، وينتهي الحكم إلى ‘الأغيار’، وكما ذهب الحكم لمجلس طنطاوي وعنان ثم إلى الإخوان بعد ثورة 25 يناير 2011، فقد ذهب الحكم بعد ثورة 30 يونيو 2013 إلى إدارة رئاسية ووزارية هجينة، ليست ثورية بالقطع، ولا هي منتخبة، بل سلطة مؤقتة إلى أن تجري انتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة.

وعند الانتخابات ـ كما في الامتحانات ـ تكرم الثورة أو تهان، ونخشى ـ للأسف ـ أن تتكرر إهانة الثورة، وأن تفوز فئة تشبه جماعة مبارك، خاصة لو جرت انتخابات البرلمان بالنظام الفردي، وقد يضاف إليها نفوذ مستجد لأحزاب اليمين الليبرالي في جبهة الإنقاذ، ومع وجود محسوس لأحزاب اليمين الديني كالنور، وربما ‘الإخوان’ لو شاركوا، بينما تنتهي جماعات وأحزاب الوسط واليسار إلى وضع الأيتام على موائد اللئام، فقد انفكت رابطة ‘ائتلاف الوطنية المصرية’ مع الذوبان السريع في إطار ‘جبهة الإنقاذ’ المختلط الطارئ، الذي يتفكك الآن موضوعيا مع استنفاد المهمة المشتركة، بينما ظلت الساحة خالية من حزب للثورة أو تحالف قادر على الفوز الحاسم انتخابيا، ونقل الثورة إلى موضع السلطة، وكسر ثنائية تناوب جماعة الإخوان وجماعة مبارك على الحكم، وهي ‘الثنائية اللعينة’ المفرغة التي لا يصح الحديث عن انتصار نهائي للثورة بدون كسرها، والخروج من شرنقة التخلف والانحطاط التاريخي الذي آلت إليه أوضاع مصر خلال الأربعة عقود الأخيرة.

السابق
لندن لا تنتظر نتنياهو
التالي
تعود الى الحياة بعد اغتصابها ودفنها