قارىء عاشوراء: جريمة بحقّ الحسين

عاشوراء
الجريمة التي قد يرتبكها قارىء العزاء بحق الامام الحسين لا تقلّ خطورة عن تلك التي حصلت في كربلاء. لأنّه يستطيع إما أن يساهم في الوعي الجماهيري بتحويل النهضة الحسينينة الى اداة تغييرية كما ارادها صاحب النهضة، وإما إن يجعلها مجرد سيرة بكائية تكون في خدمة السلطان. وهذا ما يفعله.

سمعنا كثيرا ونسمع عن “وعّاظ السلاطين”، او فقيه السلطان، ولم نسمع وان مرة عن ” قارئ عزاء ” السلطان. علما ان المنبر الحسيني طالما لعب في التقليد الشيعي دورا كبيرا في حاجة الزعامات للتأكيد الدائم على الهوية المذهبية كضرورة ملحة للزعيم المتربع، او الساعي الى التربع، على اكتاف الطائفة. لذلك لم يخلُ بيت زعامي من هذا المنبر، في جميع المراحل، لما يشكل هذا المنبر من سلم يستغل للتسلق السياسي، بغضّ النظر عن طبيعة المتسلق.

من هنا كان هذا الحرص الدائم عند الزعامات الشيعية كلّها لإظهار المحافظة على هذا التقليد كجزء من البروتوكول الموروث. فكان لكل واحد منهم منبره، وبالتالي لكل واحد منهم ” قارئ عزاء” خاصّ به!

فالرئيس الراحل كامل الاسعد لم يجد اي صعوبة في ايجاد قرّاء عزاء يفصّلون له عاشوراء تتناسب مع وضعه وظروفه. وكذا فاننا نلاحظ ان عاشوراء آل بيضون في “العاملية” ببيروت تختلف مثلا عن عاشوراء النبطية. وهذا ما كان الحال عليه في “عزّ دين” القتال المحتدم بين حركة “أمل” و”حزب الله”. فكان على كل جبهة من الجبهتين المشتعلتين قارؤها الذي يستجلب الحسين (ع) خلف متراسه هو، في مقابل الحسين الآخر. حتى اننا سمعنا بعض القراء كانوا يتنقلون بين الجبهتين في الوقت نفسه، معتمدين بشكل اساسي على قدراتهم الصوتية العالية مع مهارة مرتفعة وجودة عالية في التملّق!!

يبقى ان الغريب في هذه “الخبيصة” ان كل مجلس من هذه المجالس يعتبر نفسه، وحده، من يمتلك الوكالة الحصرية باحياء المراسم. وهو وحده من يعبّر خير تعبير عن الاهداف الحسينية الحقّة!!

هكذا تصير، بنظره ونظر من يستدعونه، المجالس الاخرى بضاعة مقلّدة او مزيفة. ويتحول قارىء العزاء الى مجرد موظف يعمل فقط وفق ارشادات مشغلّه، على ان تكون مهمته الوحيدة هي تسخير اعظم نهضة في التاريخ الاسلامي قام بها “سبط النبي” بهدف الاصلاح في الامة، الى مجرد منبر لتكريس واقع هو احوج ما يكون الى الاصلاح. وهذا ما يفسر لنا البيان الأخير للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بعد اجتماعه بمجموعة كبيرة من هؤلاء القرّاء. إذ طلب منهم بكل بساطة عدم التحدّث مطلقا في الامور السياسية والاكتفاء برواية السيرة على أنّها شيء من التاريخ لا علاقة له بالمساهمة في تغيير الواقع. لتضيع بعد ذلك الأهداف الحقيقية للمفاهيم الحسينية في غابة كثيفة من الموظفين. وتحت جشع جنود مجندة من “قراء السلطان”.

السابق
يا خوف عكّا من هدير البحر
التالي
علم خبر: هؤلاء أعادوا الزرارية الى ما قبل 1969