علم خبر: هؤلاء أعادوا الزرارية الى ما قبل 1969

الزرارية
هي قصّة ابريق العمل الاجتماعي، الذي سرقته أحزاب المذهبية، لتعيد الوضع الى ما كان عليه قبل النهضة الاجتماعية في الجنوب وفي جبل عامل، أي الى ما قبل تأسيس النادي في العام 1969. وإذا كان تأسس في الثامن من آب بعلم وخبر رقمه 410-أد، فهذا النصّ علم وخبر بأنّ النادي مات، ورقم العلم والخبر 2013-ح.ا.

 تعيش  الزرارية، كغيرها من القرى الجنوبية، حالة اجتماعية رديئة من حيث غياب التآلف والتعاضد بين العائلات والأفراد. ويعود سبب ذلك الى سيطرة النزعات العائلية والعصبيات “الفخذية” داخل العائلات، وهيمنتهما على عقليات الأفراد. لذا كان لا بد لجيل الشباب، خصوصا المغتربين والمثقفين منهم، أن يسعوا الى النهضة بالزرارية وبأبناءها، والعمل على محومعالم الفرقة والتباغض القديمين، من خلال انشاء جمعيات ونواد ثقافية ورياضية وفنية بعيدة عن الروابط العائلية والتكتلات “العشائرية” المتعصبة.

هذه النزعة الحضارية التي كانت تسعى لتكريس العمل الجماعي من أجل نشر الثقافة والحضارة والتطور لأهالي الزرارية، وصهر الشباب في بوتقة واحدة ثقافية، أدت الى إنشاء جمعية ثقافية تحت اسم “نادي الشبيبة الثقافي الرياضي”، في الثامن من آب عام 1969 بموجب علم وخبر 410-أد.

 كانت الهيئة التأسيسية الأولى مؤلفة من السادة: محمد شرف الدين وعلي زرقط وعلي خليل خليل.  وكانت الغاية من بناء هذا النادي ثقافية ورياضية تمهيدا لبناء مكتبة عامة في البلدة. وصبغ النادي منذ بداياته بالصبغة الماركسية واليسارية، بالترافق مع ولادة الزخم الوطني والقومي الذي أفرزته هزيمة 1967،  وعلانية العمل الفدائي الفلسطيني، ما أدّى الى انشقاق مجموعة من عناصر النادي عنه باعتباره “مجموعة محافظة”.

ظل نشاط النادي مسيطرا على أجواء البلدة حتى بداية الحرب الأهلية العام 1975. جاءت الحرب كالصاعقة على الزرارية، فانصرف الشبان الى حمل السلاح، وابتعدوا عن العمل الاجتماعي والثقافي.

ثم عاد المجد العلمي والثقافي والتربوي في الثمانييات الى البلدة، مع البدء بالقرف من الحرب وما جلبته على بعض العائلات من موت ودمار. وجاءت مجموعة جديدة من الشبان والشابات من جميع الأحزاب والانتماءات السياسية، ليعيدوا النادي الى مجده. وبدأت النشاطات لتبلغ ذروتها سريعا، مع دخول “نادي الشبيبة الزرارية” الى باقة أندية اليونسكو الثقافية

كان للنادي فريق خاص لكرة القدم وفريق لكرة الطائرة. وحصل على على جوائز عدة. ومن أهم النشاطات التي قام بها دورات تدريبية للنساء لتعليمهم الخياطة والنسيج، شاركت بها العشرات، ممن تمرسن في المهنة وبعضهن يعتشن منها حتى اليوم. كما نظّم النادي دورات لتعليم الكومبيوتر والعمل على محو الأمية المعلوماتية لأبناء البلدة.

في التسعينيات قام الأعضاء بفتح باب النادي أمام المرشحين للانتخابات النيابية، ليكون مكانا لنشر برامجهم الانتخابية. وساهم أيناء النادي مع الاحزاب في نشاطاتها، فكان قاعة مفتوحة أمام الجميع وكل من يقدم الخدمات العامة. كذلك عرض مسرحيتين، وساهم في طباعة أول ديوان شعر، بعنوان “دفتر الوجع” للشاعر الراحل سحبان مروة. ونظّم دورات لتعليم الاسعافات الأولية، كما بنى مركزا صحيا اجتماعيا تابعا لـ”مصلحة الانعاش الاجتماعية” و”جمعية نساء جبل عامل”.

أما أهم ما قدمه النادي فهو نواة مكتبة عامة،  تضم عددا لا يستحان به من الكتب والمراجع… هذه الكتب تم جمع بعضها من قبل أعضاء النادي والبعض الآخر من التبرعات. وكان لها دور كبير في تثقيف العديد من شباب الزرارية الذين استفادوا منها في دراستهم. اما بالنسبة للميزانية فقد كانت تجمع من اشتراك شهري لأعضاء النادي ونعتمد على تبرعات المغتربين الذي قدموا مبالغ طائلة للنهوض بالنادي.

نصل الى زبدة الموضوع. اليوم جاء التعب الحزبي، وحالياً العقائدي، الأعمى، ليسيطر على العمل الثقافي كما سيطر على المؤسسات والجمعيات كافة في الجنوب. وبدأت الصراعات بين الأعضاء وبين أبناء الهيئة التأسيسية والإدارية، ما حال دون وصول الكفاءات الى عضوية النادي. وكان للنكايات دور بارز في هدم أبنية الثقافة والخدمات العامة وكل ما سعى اليه النادي منذ بداياته، وصار كلُّ يغني على ليلاه.

كان النادي يجمع شباب الزرارية المبعثرين في زواية الساحة، ليدمجهم في العمل الاجتماعي والثقافي والرياضي، وليبعدهم عن التفاهات والعصبيات. لكنّ سيطرة العقلية المذهبية والحزبية محت الوجه الحضاري للنادي  والبلدة، فضاع النادي، وشباب البلدة بعضمهم انخرط في العمل الكشفي والجمعيات الدينية، والبعض الآخر عاد الى ساحة البلدة ليضيع فكرياً وثقافيا.

 هي قصّة ابريق العمل الاجتماعي، الذي سرقته أحزاب المذهبية، لتعيد الوضع الى ما كان عليه قبل النهضة الاجتماعية في الجنوب وفي جبل عامل، أي الى ما قبل تأسيس النادي في العام 1969. وإذا كان تأسس في الثامن من آب بعلم وخبر رقمه 410-أد، فهذا النصّ علم وخبر بأنّ النادي مات، ورقم العلم والخبر 2013-ح.ا.

السابق
قارىء عاشوراء: جريمة بحقّ الحسين
التالي
وفد كتائبي زار ارسلان لدعوته للمشاركة في ذكرى تأسيس الكتائب