لمَ يتمّ تصوير الجيش طرفاً؟

يوماً بعد يوم تتظهّر الحالات المتمرّدة على القانون والمؤسسات والشرعية، لاقامة نوع من البؤر السياسية والامنية التي تستطيع التحرك من خلالها باتجاه تحقيق غايات مشبوهة وبعيدة من فلسفة حياة اللبنانيين المعهودة منذ الاستقلال والقائمة على ثنائية “الوفاق والتوافق”. وبظنّ هذه الحالات أن الطريق الاقصر لتجسيد وجودها على المسرح اللبناني هو باقصاء المؤسسة العسكرية عن واجباتها الوطنية في حفظ الامن وترسيخ الاستقرار وتكريس السلم الاهلي بين المواطنين.

وتعدّد مصادر سياسية بارزة أسباب الاستهداف المتكرّر لمؤسسة الجيش الوطني في هذا الظرف بالذات على الشكل الآتي: اولا، رغبة أطراف اقليمية معروفة الأهداف والغايات بضرب معقل وطني ما زال يحظى باجماع الاطراف الداخلية كافة، لتسهيل امساكها بالورقة اللبنانية في سياق عملية شدّ الحبال القائمة بينها وبين خصومها الاقليميين. ثانيا، التماهي الواضح لقوى سياسية لبنانية من طرفي النزاع مع المخططات الخارجية بهدف الافساح في المجال أمامها للانتفاض على شريكها اللبناني الآخر واقصائه، والقبض على مقدرات السلطة والحكم بأدواتها السياسية والامنية والادارية والاقتصادية. ثالثا، ان محاولة تصوير الجيش اللبناني على أنه طرف في الصراع السياسي العمودي القائم في البلد منذ العام 2005 هي الوسيلة الأنجع لتعرية الدولة والساحة اللبنانية امام المزيد من التعكير الامني. ذلك ان المؤسسة العسكرية نجحت في تأمين تظاهرتي قوى 14 و8 آذار من دون “ضربة كفّ” على الرغم من الاجواء المشحونة آنذاك ، ودخلت الى مخيم نهر البارد لمحاربة تنظيم ارهابي هو “فتح الاسلام” مساهمة في افشال مخطّطه لاقامة دولة اسلامية انطلاقا من منطقة الشمال، كما نجحت هذه المؤسسة في عهد القائد الحالي العماد جان قهوجي في ملاحقة التنظيمات المتطرّفة في الشمال والبقاع وصيدا وتوقيف بعض أفرادها واحالتهم على القضاء المختصّ لانزال أشدّ العقوبات بحقّهم، بالاضافة الى ضبطها لسيارات مفخّخة كما حصل في الضاحية الجنوبية منذ أيام او الكشف على خلايا ارهابية بحوزتها أدوات التفجير من عبوات وقنابل وأحزمة ناسفة. وهكذا، فان “البروباغندا الاعلامية” التي تريد اظهار الجيش منحازا الى جانب فريق دون آخر، هدفها التعمية على هذه الانجازات ومحوها من ذهن الناس.

ان من يتّهم المؤسسة العسكرية بالتقصير، وتحديدا في أحداث طرابلس، عليه بادئ ذي بدء توفير التغطية السياسية الملائمة لقيامها بواجباتها كاملة في عاصمة الشمال، والتوقف عن تزويد المجموعات المسلّحة وما يسمّى بقادة المحاور بالسلاح والذخيرة والأموال الطائلة التي عليه توفيرها لتلبية احتياجات أبناء طرابلس الحياتية والاجتماعية والانمائية والمساهمة في انشاء بنى تحتية وفرص عمل تنتشلهم من الفقر والعوز والحاجة.

كما ان التلاعب بمصير الوطن، ووضع خطوط حمر أمام الجيش اللبناني، وتحديد المناطق التي عليه ان يدخلها وتلك التي لا يحق له دخولها، أمر مرفوض من اللبنانيين جميعا، فما قام به الجيش لا يستطيع أحد ان يحاسبه عليه، لأن الذين سقطوا منه في معارك الشرف والواجب لم يموتوا بحادث سيارة او لأسباب صحية، وانما استشهدوا دفاعا عن لبنان الكيان والصيغة والدولة.

السابق
من يردع العدو؟
التالي
الأخضر المتلون روسيا وإيرانيا.. وأسديا!